السبت, 15 نوفمبر 2025 12:47 PM

من الفرح الوطني إلى بذور الحرب: كيف يتحول الفرح إلى استقطاب في سوريا؟

من الفرح الوطني إلى بذور الحرب: كيف يتحول الفرح إلى استقطاب في سوريا؟

تقول المقولة الشعبية: "إذا فرحت فإفرح مع الناس وإذا رزقت شارك غيرك". وفي سياق بناء السلام في دول النزاع، فإن الفرح الذي يقوم على إغاظة الآخرين يمثل بذرة لحرب جديدة. وفي السياق السوري، يجب عدم إبعاد الآخرين عن فرحك، بل دعوتهم إليه بوصفه فرحاً وطنياً وليس نصراً لطرف على آخر.

سناك سوري – بلال سليطين

ما الذي يدفع مجموعات واسعة، بعد حرب طويلة وصلت في نهايتها إلى السلطة، إلى تحويل فرحها إلى محاولة لإغاظة الآخرين وإقصائهم عن الفرح؟ لماذا يتم تحويل كل جملة في فرحهم إلى مناكفة واستفزاز للآخرين؟

الانتقال من المواجهة إلى السلطة والبناء

حتى بتنا لا نجد عبارات فرح خالصة بأحداث وطنية تمس جميع السوريين إلا وارتبطت بعبارات مثل "لا عزاء لجماعة كذا"، أو اعتبار هذه الفرحة هزيمة لآخرين في هذا البلد المتعب من الحرب والعقوبات والانقسام، والذي يحتاج إلى أكثر من 400 مليار دولار لإعادة إعماره، ولا يمكنه تحمل خسارة ثانية واحدة في الانقسام والمواجهة الداخلية.

الانقسام الحاصل المرتبط في لحظات عديدة بالخوف يعوّم شخصيات كانت ضعيفة الشعبية ويعزز الالتفاف حولها رغم عدم القناعة بمشاريعها

أعتقد أن أهم الأسباب التي تدفع لهذا السلوك هو عدم القدرة حتى الآن على الانتقال من مرحلة المواجهة والصراع إلى مرحلة السلطة والبناء. هناك ثقافة سلوك وخطاب لم يستطع هؤلاء التخلص منها، وهي قائمة على التحشيد والمواجهة، وقد كانت مفيدة ومؤثرة في مرحلة الحرب، وإن كانت تبعاتها بالمحصلة تزيد من الانقسام على مدى 14 عاماً. إلا أنها كانت جزءاً من عقلية مواجهة تستحق البحث والمراجعة.

وهؤلاء حوامل رئيسية في توجيه الرأي العام وفق حالة الاستقطاب القائمة في سوريا، وفي هذه اللحظات الوطنية هم إما يساعدوا المنقسمين على الاقتراب من بعضهم البعض أو يستمروا في تعزيز الشرخ.

لحظات وطنية للانقسام والاستفزاز

فمثلاً، في وقت يمكنك القول إن رفع العقوبات فرحة للشعب السوري كله وفرصة لنا لكي نبني بلدنا معاً، تقول هذا انتصار لفريقنا ولا عزاء لكذا وكذا وكذا. رغم أن هؤلاء الذين لا عزاء لهم بالنسبة لك قد يكونوا فرحين مثلك وأكثر منك بتخفيف العقوبات ورفعها، وبدل أن تشاركهم الفرحة تدفعهم لمزيد من الخصومة والعداء. وعندما يرفع العلم السوري على سفارة في واشنطن وأخرى في لندن وتنخرط سوريا في المجتمع الدولي وتنفك عزلتها التي دفع ثمنها الشعب السوري كله، يتحول الأمر إلى انتصار مشروع وهزيمة مشاريع أخرى بدل نجاح مشروع سوري مرتبط بشعب ومستقبل وليس بسلطة ومنتصر ومهزوم!؟.

السلام المستدام يبدأ حين يشعر الجميع أنهم جزء من الفرح.

لاشك أن للحرب آثارها ولتراكم 14 عاماً تأثيره على الطباع والسلوكيات، وأن لحظة إسقاط النظام التي اقتربت سنويتها الأولى لا تكفي لتغيير السلوك، لكن ربما موقفك السياسي المؤيد للسلطة يحتم عليك إجراء مراجعة إذا لم يكن من أجل إزالة الشرخ من المجتمع بل من أجل مصلحة السلطة التي تؤيدها. إجراء مراجعة تساعد السلطة في دفع الناس نحوها عبر الفرح، عبر تحويل كل إنجاز من إنجاز للسلطة يوضع في سياق الانقسام إلى إنجاز لعموم المواطنين يدفعهم للفرح والتوحد. وبالعودة للمقولات المجتمعية فيقال الحزن يجر الحزن والفرح يجر الفرح.

الانقسام يرفع شخصيات ويعزز التموضع

وإذا عدنا للفترة الأولى مابعد إسقاط النظام سَنَجِد أن المشهد المجتمعي كان مختلفاً عما هو عليه اليوم، ففي تلك الفترة ظهر الحافز الجماعي للعمل والبناء، وتراجعت مستويات الاستقطاب بين الناس إلى حدود قريبة من الطبيعي لدى عموم المواطنين/ات، وتحول الانقسام إلى انقسام عامودي تفرعت عنه انقسامات أخرى تحولت تدريجياً للتموضع حول شخصيات وقوى محددة دون قناعة بمشروعها ولكن لأسباب متعلقة بغياب البدائل وانعدام الثقة وارتفاع منسوب الكراهية وفوق كل ذلك الجراح العميقة التي خلفتها الأحداث الدامية في عام 2025.

في الفترة الأولى مابعد الخلاص من نظام الأسد شهدنا ولادة الحافز الجماعي وانحدار مستوى الانقسام والاستقطاب لمستويات تكاد تكون طبيعية

سوريا الاستنثائية ودول مابعد النزاع

يعتقد البعض أننا دولة استثنائية في هذا العالم وأن لا تجارب يمكننا المقارنة فيها، لكن إذا نظرنا إلى تجربة جنوب إفريقيا وكيف حول نيسلون مانديلا العنصرية والكراهية إلى شراكة وتقاسم وفرح جماعي وترك مقولته الشهيرة ليس حراً من يهان أمامه الآخر ولا يشعر بالإهانة. لدينا حقيقة تجارب واسعة للاستفادة منها مع احترام خصوصية تجربتنا من رواندا التي اكتشفت باكراً أن خطاب المنتصر والمهزوم والشرخ والعداء لا يبني دولة بل خرابة وصولاً إلى كولومبيا والقدرة على استيعاب المختلفين في مؤسسة الحكم وليس انتهاءاً بالجزائر واتفاق السلم والشراكة. ومع الاحترام لاختلاف السياقات لكن إذا نظرنا لتجارب جميع الدول الخارجة من النزاع فإن أياً منها لم يحقق الاستقرار والسلام والمستدام وفق منهجية منتصر ومهزوم. وإن كان في كثير من هذه الدول هناك سلطة هزمت لكن في أي منها لم يكن التعامل على أن مجتمعات هزمت وأخرى انتصرت.

الكثير من الشعوب عاشت الحروب لكن أنجحها اليوم من اكتشف مبكراً أن خطاب المنتصر لا يبني سلاماً دائماً

وفي تجربة سوريا إذا كان لدى جارك ما يعتقد أنه مصيبة له واجبك أن تشاركه العزاء وتخرجه من حالة حزنه بحق الجيرة عليك، وإن لم يكن حزيناً أصلاً وإنما فرح لحدث وخائف من أشياء أخرى فمسؤوليتك أن تحاوره وتمسك يده لا أن تدفعه بعيداً. والسلام المستدام يبدأ حين يشعر الجميع أنهم جزء من الفرح.

مشاركة المقال: