الثلاثاء, 11 نوفمبر 2025 12:52 PM

من المحرم إلى المباح: كيف يتغير الموقف الشعبي السوري تجاه إسرائيل؟

من المحرم إلى المباح: كيف يتغير الموقف الشعبي السوري تجاه إسرائيل؟

لم يكن الموقف من دولة الاحتلال الإسرائيلي محل خلاف في المجتمع السوري، حيث شكل رفض التطبيع أحد المحرمات الوطنية والثقافية التي وحدت السوريين لعقود، حتى في ظل الانقسامات العميقة منذ عام 2011. لكن المراقب يلاحظ تحولًا لافتًا في هذا الموقف، ليس فقط على مستوى الخطاب السياسي الرسمي، بل داخل المزاج الشعبي.

جزء كبير ممن كانوا يفاخرون بانتمائهم إلى ما يسمى محور الممانعة، باتوا يتقبلون فكرة التقارب مع إسرائيل، ولو بشكل غير مباشر، بحجة الحماية من المشروع الإسلامي أو مواجهة الحكومة الحالية، متجاهلين بذلك أحد أعمدة السردية التي بررت دعمهم للنظام المخلوع. وفي المقابل، لا تبدو شريحة من مؤيدي الرئيس أحمد الشرع، وحتى من كانوا يسمون سابقًا الرماديين، أقل مرونة في هذا المجال، إذ نجد خطابًا يتسامح مع فكرة التطبيع تحت عنوان الاستقرار وإعادة الإعمار، ولو على حساب المبادئ التاريخية والثوابت الوطنية والدينية المرتبطة بالقضية الفلسطينية.

ولا تخرج بعض الكيانات الأخرى، مثل قسد أو تيار الهجري، عن هذا الإطار، فخطابها البراغماتي إزاء القوى الإقليمية، بما في ذلك إسرائيل، يكشف عن مقاربة جديدة ترى في التطبيع أداة تفاوض ومصلحة مرحلية أكثر من كونه قضية مبدئية. هذا التغير في الخطاب هو نتيجة مباشرة لتآكل الثقة العامة بكل الشعارات القديمة التي استُهلكت دون تحقيق نتائج ملموسة.

السؤال الذي يطرح نفسه: كيف تحول التطبيع مع إسرائيل من خط أحمر جامع إلى طرح قابل للنقاش، بل إلى خيار تتعدد مبرراته بين الأمن والسياسة والاقتصاد؟ هذا التحول يعكس انهيارًا تدريجيًا في البنية الرمزية لثقافة وطنية كانت ترفض التنازل عن حق تاريخي وجغرافي باسم المصلحة. وإن لم يناقش هذا التحول بجدية، فإن أجيالًا سورية جديدة قد ترى في التطبيع خيارًا طبيعيًا.

يرى محمد غزوان شاهين أن المسؤول الأول عن هذا التحول هو نظام الأسد، الذي عمد على مدى عقود إلى تفريغ مفهوم الوطنية من مضامينه الحقيقية، وربطه بالولاء المطلق للقائد الرمز بشار الأسد (ومن قبله حافظ الأسد) وعداء شعاري لإسرائيل. وبالتالي أصبح الانتماء الوطني يقاس بمقدار الولاء للنظام الحاكم، لا بمقدار الالتزام بالمبادئ السياسية والقومية والأخلاقية.

وقد ساهم هذا المسار في تحويل الموقف من إسرائيل إلى مجرد أداة تعبئة داخلية، مما سهل لاحقًا تبني مواقف براغماتية أو متهاونة تجاه التطبيع حين اختلطت أولويات البقاء والمصالح بالخوف من المستقبل وانعدام الثقة بأي مشروع وطني بديل. الحل الجذري يبدأ من إعادة بناء الشعور بالمواطنة وتعزيز معناه الحقيقي لدى المواطن السوري، بحيث لا تبقى المواطنة مرتبطة بالشعارات أو بالولاءات العابرة، بل تنبع من فهم عميق للمصلحة العامة وتقديم الهم السوري على كل هم آخر، مع الحفاظ على البعد الإنساني في التضامن مع قضايا الشعوب الشقيقة والجارة، دون الوقوع في فخّ الأدلجة أو التلاعب بالهوية الوطنية.

فالمعركة الحقيقية اليوم ليست بين الرافضين والمطبعين، بل بين من يريد استعادة معنى المواطنة، ومن يرى في الولاء المجرد بديلًا عن الوعي.

مشاركة المقال: