الأحد, 18 مايو 2025 09:52 PM

من خيوط القماش إلى نسيج الوحدة: مبادرة نسائية سورية تحيي التراث وتعزز التماسك المجتمعي

من خيوط القماش إلى نسيج الوحدة: مبادرة نسائية سورية تحيي التراث وتعزز التماسك المجتمعي

وسط سنوات من الحرب والانقسام والتهجير، وجدت مجموعة من النساء السوريات في قطعة قماش مستعملة بدايةً لحكاية جديدة من التلاقي والتضامن. ورشة "فَجّة خُرَقْ"، التي تأسست عام 2017 في السويداء، أصبحت نموذجًا رائدًا في تعزيز السلم الأهلي والتماسك المجتمعي من خلال مبادرات تراثية تقودها النساء.

تأسست الورشة بمبادرة من السيدة خلود هنيدي، المديرة التنفيذية، وعدد من النساء القادمات من مدن سورية متعددة، استجابة لحركة النزوح الواسعة إلى المحافظة. كان الهدف الأوّل هو خلق مساحة مشتركة تجمع النساء النازحات بنساء المجتمع المحلي، عبر تدوير الأقمشة وصناعة البُسط التراثية، حسب قول هنيدي في حديث خاص لمنصة سوريا 24.

وأضافت أن المبادرة لم تبقَ ضمن إطار الحِرَف اليدوية فقط، بل تحولت سريعًا إلى مساحة حوار وعمل اجتماعي ونفسي، ركّزت على تمكين النساء ودعمهن في مواجهة تحديات النزوح والانخراط في بيئة جديدة. "بدأنا بتنفيذ جلسات دعم نفسي وتوعية بحقوق النساء والأطفال، والصحة النفسية، واستعنا بخبراء قانونيين وصحيين لتقديم ورش متكاملة"، تقول خلود هنيدي.

من البساط إلى بساط الجنوب

مع توسع النشاط، أطلقت الورشة مشاريع تهدف إلى استعادة الروابط بين المدن السورية المتفرقة، عبر استحضار المشترك الثقافي والتراثي. كان أولها مشروع تراثي واسع شمل توثيق اللباس التقليدي، المهن اليدوية، الطقوس الاجتماعية، والأمثال الشعبية من مختلف المناطق السورية.

"هذا المشروع عزّز العلاقة بين السيدات، وجعلهن يبحثن عمّا يجمعهن لا ما يفرقهن"، تشرح هنيدي. لاحقًا، أطلقت الورشة مشروع "خرائط الذاكرة المكانية" بالتعاون مع مدينة السلمية، وركّز على نقل ذاكرة المكان من كبار السن إلى الأجيال الشابة. تلاه مشروع "بساط الجنوب"، الذي جمع نساء من السويداء ودرعا في ورش مشتركة لصناعة البُسط التقليدية، في وقت كانت الحركة بين المحافظتين صعبة.

تقول هنيدي: "نجحنا نحن النساء في إيجاد وسيلة للقاء حين عجزت الطرق عن ذلك".

من الأمطار إلى الزغاريد: التراث كجسر للتقارب

استمرّت المبادرات، ومنها مشروع "أم الغيث"، المستلهم من طقس شعبي للاستسقاء، حيث جُمعت خلاله الأغاني والحكايات من السويداء ودرعا في كتيّب وثّق هذا التراث المشترك. أما آخر نشاط فكان مشروع "زغرودة"، والذي سلّط الضوء على طقوس الأعراس السورية، وقدّم نماذج حية من حمص ودرعا والسويداء، بمشاركة واسعة من النساء والرجال على حد سواء.

اليوم، تخطط "فَجّة خُرَقْ" للاستمرار في العمل على موضوعات التراث كوسيلة لترميم النسيج المجتمعي، من خلال تسليط الضوء على عادات التكافل الاجتماعي، وفقًا لخلود هنيدي.

خيوط سلام تنسجها النساء

في زمن تتكاثر فيه خطوط التماس والانقسام، تنجح نساء مبادرة "فَجّة خُرَقْ" في رسم خريطة جديدة للتقارب، تثبت أن صوت النساء وقدرتهن على البناء يمكن أن يكون أساسًا صلبًا للسلام الأهلي، وأن التراث الشعبي ليس فقط ذاكرة للماضي، بل أداة للشفاء وإعادة وصل ما انقطع من روابط الوطن.

مشاركة المقال: