الثلاثاء, 26 أغسطس 2025 11:05 AM

من مواطن عادي إلى مُنظّر: سوري يروي تحولاً في زمن الأزمات

من مواطن عادي إلى مُنظّر: سوري يروي تحولاً في زمن الأزمات

أزعم أنني مواطن سوري عادي، وأدرك تمام الإدراك أن صفة العادية أصبحت نادرة في هذه الأيام، فهي عملة صعبة الوجود. ففي بلد الـ 25 مليون نبي وفيلسوف وقائد، يصبح العثور على مواطن عادي أمراً بالغ الصعوبة.

سناك سوري _ مواطن عادي

أنا مواطن عادي جداً، أو حتى أقل من العادي إذا أردتم. عندما أفتح عيني في الصباح، أول ما أفكر فيه هو طبخة اليوم، وثمن الخضار التي يجب أن أشتريها، وكم تبقى من راتبي ومواردي الضئيلة. بصراحة، وصول سعر كيلو البطاطا إلى 7 آلاف ليرة يهمني ويؤثر في حياتي أكثر بكثير من الصراع الأموي مع بقية أبناء "عبد شمس". سعر اللحمة التي أشتريها بـ "الأوقية" أهم عندي ألف مرة من نقاش إيجابيات اللا مركزية وسلبيات الفيدرالية.

أعرف حجمي الحقيقي تماماً وتصالحت منذ زمن بعيد مع الفكرة. لن أغيّر الكون، ولن أشق البحر، ولن أمشي على الماء. لكن الكارثة تكمن في أن أهلي السوريين الذين يرون في أنفسهم محور الكون لم يتصالحوا بعد مع حقيقة أن بلدهم أصغر من مشاكلهم. الأمر يشبه طفلاً في الخامسة من عمره يحاكم بقضية تزوير أوراق رسمية، ولا أحد يريد الاقتناع بأن حجم التهمة لا يناسب مقاسه.

185 ألف كيلو متر من الأزمات، 185 ألف كيلو متر من النظريات والعنتريات والجذور التاريخية. لكل مواطن نظرية يعجز ديكارت عنها، ولكل 5 أشخاص تجمع يفوق في صراخه الحزب الجمهوري الأميركي. لدينا مليون رؤية ومليون ثائر ومليون شهيد ومليون نازح ومليون مظلوم ومليون ظالم، ملايين على مد عينك والنظر.

لا أحد في بلادنا يهمه سعر كيلو البطاطا إلا المواطن العادي من أمثالي. الكل يريد الحديث عن شرعية السلطة ونظرية الحكم ودستورية الانتخابات واتفاقات السلام، ولا أحد يلتفت إلى لقمة الخبز التي تغيّر حياة ملايين المواطنين.

وبعدما عجزت عن الحفاظ على "عاديتي"، قررت أن أنضم إلى أهل بلدي وأخوض غمار "التنظير المجاني". تجاهلت أنني لا أملك ثمن وجبة طعام ورحت أكتب عن النزعة البونابرتية لدى الحكام العرب، وتأثير الناصرية على المجتمعات الشرق أوسطية في الستينيات، وأسباب انهيار الاتحاد السوفييتي. اقتنعت بعبارة "إذا جن ربعك عقلك ما يفيدك".

مشاركة المقال: