الإثنين, 20 أكتوبر 2025 12:30 AM

منصة الشكاوى في سوريا: هل تنجح في كسر حاجز الصمت عن الفساد وتعزيز الشفافية؟

منصة الشكاوى في سوريا: هل تنجح في كسر حاجز الصمت عن الفساد وتعزيز الشفافية؟

أطلقت الحكومة السورية، من خلال الجهاز المركزي للرقابة المالية، منصة إلكترونية لتلقي الشكاوى في أيلول الماضي. تهدف هذه المنصة إلى تمكين المواطنين من المساهمة في حماية المال العام وتطبيق قوانين الرقابة والمحاسبة.

تعاني سوريا منذ عقود من مشكلة الفساد وعدم الشفافية في إدارة المال العام. يخشى الكثيرون من استمرار هذه المشكلة حتى بعد انتهاء عهد نظام الأسد، خاصة مع وجود مشاريع يتم تنفيذها دون شفافية كافية، مما يثير الشكوك حول وجود فساد وسوء إدارة.

من الناحية القانونية، تهدف المنصة إلى تعزيز سيادة القانون وتكريس مبادئ الشفافية والمساءلة، بالإضافة إلى تفعيل المادة "27" من الدستور السوري التي تنص على حماية المال العام كواجب على الدولة والمجتمع.

تعتبر المنصة نافذة جديدة للمواطنين للمشاركة في الرقابة المجتمعية على المال العام، والإبلاغ عن المخالفات المالية والإدارية، وذلك ضمن إطار التحول الرقمي.

خطوة لتوسيع الرقابة المجتمعية

يهدف إطلاق المنصة إلى توسيع المشاركة المجتمعية في الرقابة على المال العام، وتمكين المواطنين من متابعة استخدام الموارد العامة والإبلاغ عن المخالفات، لتعزيز شعورهم بالمسؤولية تجاه المال العام، بحسب وسيم المنصور، نائب رئيس الجهاز المركزي للرقابة المالية.

كما تهدف المنصة إلى توحيد قنوات استقبال الشكاوى وتطوير عمل الجهاز الرقابي، وتعزيز أدوات الرقابة الحديثة لتسهيل استقبال الشكاوى ومتابعتها بسرعة وكفاءة، ضمن نهج إصلاحي لتحديث منظومة العمل الرقابي وتعزيز الشفافية والمساءلة.

أشار المنصور إلى أن المنصة رقمية بالكامل، مما يسهل عملية التقديم والمتابعة، وتشمل جميع الجهات التي تتعامل مع المال العام، من وزارات ومؤسسات ووحدات إدارية ومشاريع ممولة من الدولة.

أكد المنصور أن الجهاز خصص فريقًا لاستقبال الشكاوى ودراستها ومتابعتها ميدانيًا، وأن الفريق يتمتع بخبرة رقابية وإدارية، ويعمل وفق آلية زمنية محددة لضمان سرعة الرد ودقة المعالجة.

فيما يتعلق بحماية هوية المشتكين، أكد المنصور أن المنصة تعتمد ضمانات عالية المستوى لحماية البيانات الشخصية، وأن الخصوصية مبدأ أساسي يتم تطبيقه في جميع مراحل تقديم الشكوى ومعالجتها.

أضاف أن المشتكي يزود برقم متابعة خاص يتيح له تتبع مسار الشكوى، مما يعزز الشفافية ويشجع المواطنين على التفاعل المستمر.

أكد نائب رئيس الجهاز أن تقديم الشكاوى مجاني تمامًا، وأن الهدف هو تشجيع المواطنين على الإبلاغ عن المخالفات المالية والإدارية دون حواجز مادية أو إجرائية.

أوضح أن الشكاوى تمر بمرحلة تدقيق أولي قبل إحالتها إلى الجهات المختصة للتحقق الميداني، ضمن مسار رقابي منظم يعتمد على الأدلة ويخضع لإشراف إداري وقانوني.

أوضح أن دور القائمين على المنصة يقتصر على استقبال الشكاوى وتتبعها وإيصالها للإدارة المختصة، وفي حال ثبوت المخالفة، تُحال القضايا إلى الجهات القضائية.

ختم المنصور حديثه بالتأكيد على أن المنصة تمثل نقلة نوعية في العلاقة بين المواطن والجهاز الرقابي، وتعزز مفهوم المشاركة المجتمعية في مكافحة الفساد المالي والإداري.

تعزيز سيادة القانون ومكافحة الفساد

أكد المحامي عدي الشوا أن إطلاق منصة الشكاوى من قبل الجهاز المركزي للرقابة المالية في سوريا يُعد خطوة ذات أهمية كبيرة من الناحية القانونية، لما تحمله من أبعاد تعزز سيادة القانون وتكرّس مبادئ الشفافية والمساءلة في إدارة المال العام.

فالمنصة تمكن المواطنين من الإبلاغ عن المخالفات المالية والإدارية، ما يعزز الرقابة الشعبية ويسهم في تطبيق القوانين المتعلقة بحماية المال العام، كما تعد أداة لتفعيل المادة "27" من الدستور السوري.

تكرّس المنصة الحق الدستوري للمواطنين في تقديم الشكاوى والتظلّم، وتوفر وسيلة رسمية وآمنة لتقديم الشكاوى ضد الجهات العامة أو الموظفين المتورطين في الفساد أو الهدر المالي.

أشار إلى أن كل شكوى تسجل إلكترونيًا وتمنح رقمًا مرجعيًا، ما يجعلها دليلًا قانونيًا يمكن الرجوع إليه لاحقًا في حال تطلب الأمر تحقيقًا أو مساءلة.

لفت إلى أن التزام المنصة بمبدأ السرية التامة يمثل عنصرًا جوهريًا من الناحية القانونية لحماية المبلّغين من أي تبعات أو انتقام، ويتماشى مع المعايير الدولية لمكافحة الفساد.

المنصة تتيح للجهات الرقابية فتح تحقيقات رسمية بناء على الشكاوى المقدّمة، مما يسهم في ملاحقة الفاسدين قانونيًا، وتعد بذلك أداة داعمة لعمل القضاء والنيابة العامة في ملاحقة الجرائم الاقتصادية وتعزيز مبدأ المساءلة والمحاسبة.

"تكسر حاجز الصمت"

المنصات الإلكترونية تعد أداة محورية في تعزيز ثقافة الشكوى لدى المواطن السوري، إذ تسهم في "كسر حاجز الخوف والصمت" من خلال تمكين الأفراد من تقديم شكاواهم دون مواجهة مباشرة، ما يشجع على الإبلاغ عن الفساد والتجاوزات، وفق المحامي عدي الشوا.

كما تجعل المواطن شريكًا فاعلًا في الرقابة على المال العام، وتسهم في نشر ثقافة الحقوق والمسؤوليات من خلال ترسيخ فكرة أن الشكوى ليست تمردًا بل ممارسة قانونية مشروعة.

أوضح الشوا أنه من الناحية القانونية، فإن استخدام أوراق العمل لإثبات الشكوى لا يعد تسريبًا ما لم تتضمن الوثائق معلومات سرية أو محمية قانونًا، إذ يمكن اعتمادها كأدلة في حال كانت عامة أو متاحة.

شدد على أن الحل القانوني الآمن يتمثل في تقديم الوثائق عبر المنصات الرسمية التي تضمن السرية، أو طلب إذن قانوني من جهة العمل عند الحاجة.

أكد أن هذه المنصات تسهل العمل القضائي عبر توثيق الوقائع إلكترونيًا بما يشكل دليلًا قانونيًا، ويساعد على فرز القضايا قبل وصولها إلى المحاكم، ما يمكن الجهات الرقابية من حل بعضها إداريًا.

تعد هذه الخطوات قادرة على إعادة ثقة المواطن بالقانون والمحاسبة إذا توفرت الشفافية في معالجة الشكاوى، وسرعة الرد، والمحاسبة الفعلية التي تُفضي إلى نتائج ملموسة كالإعفاء أو المحاكمة أو استرداد المال العام، وفقًا للمحامي عدي الشوا.

وخلص الشوا إلى أن هذه الآليات تشكل تهديدًا مباشرًا للفاسدين، لأنها تكسر احتكار المعلومات وتتيح للمواطن التبليغ دون وساطة أو نفوذ، كما تجعل الوصول إليها سهلًا ومتاحًا للجميع.

قضايا فساد تم الكشف عنها

أظهرت تحقيقات الجهاز المركزي للرقابة المالية، في آب الماضي، فسادًا ممنهجًا في زمن النظام السابق، ترتبت عليه آثار مالية تجاوزت وفق التحقيقات الأولية مئات الملايين من الدولارات الأمريكية.

ذكر وسيم المنصور، نائب رئيس الجهاز المركزي للرقابة المالية، أنه تم تسلم مئات ملفات الفساد التي نجمت عنها أضرار جسيمة بالمال العام، وتورط فيها مسؤولون من حكومة النظام السابق.

أكد أن التحقيقات أظهرت أن الفساد كان منظمًا ومترسخًا في قطاعات لها علاقة مباشرة بمعيشة المواطنين.

في تموز الماضي، تمكن الجهاز المركزي للرقابة المالي من الكشف عن تجاوزات جسيمة في بعض الجهات العامة، وأثبتت التحقيقات تورط عدد من المسؤولين السابقين في استغلال النفوذ وتلقي رشى والإضرار بالمال العام.

كشفت "الرقابة المالية" أنه من بين المتورطين، الأمين العام السابق لرئاسة مجلس الوزراء "ق. خ."، والمدير العام السابق للمؤسسة العامة للصناعات الكيماوية "أ. أ. ف."، ومدير مديرية أنظمة الدفع الإلكتروني في مصرف سوريا المركزي "ع. ر.".

استندت نتائج التحقيق إلى تقارير تمهيدية أعدها الجهاز بعد مراجعة شاملة للوثائق والمعطيات وجمع الأدلة من مصادر متعددة، إذ وصل مبلغ الضرر في المال العام إلى أكثر من نصف مليار دولار أمريكي.

مشاركة المقال: