عنب بلدي – وسيم العدوي – تكثف وزارة المالية السورية اجتماعاتها وورش العمل مع الصناعيين والتجار لمناقشة مشروعي قانوني الضريبة على الدخل والضريبة على المبيعات، بهدف شرح المزايا والتخفيضات الضريبية قبل إقرارهما، وذلك بعد انتهاء فترة تلقي الملاحظات والمقترحات في 15 تشرين الأول الحالي.
يهدف مشروع قانون الضريبة على الدخل الجديد إلى تطوير النظام الضريبي في سوريا، والانتقال من نظام الجباية إلى الشراكة والتنمية، كما صرح وزير المالية السوري، محمد برنية، أمام التجار والصناعيين ووسائل الإعلام. وأوضح الوزير أن ذلك يتجلى في بنود المشروع (المنشور على المواقع الرسمية لوزارة المالية)، والتي تركز على تبسيط الإجراءات، وتوسيع الإعفاءات، والتحول نحو الرقمنة.
أهم ملامح مشروع الضريبة على الدخل
- هيكلية الضريبة، الشرائح والمعدلات، الرواتب والأجور أولًا: يتضمن مشروع قانون الضريبة على الدخل تخفيضات كبيرة، حيث تنص المادة التاسعة على فرض ضريبة على الدخل من الوظيفة بنسبة 6% على الخمسة ملايين ليرة سورية الأولى من الدخل الخاضع للضريبة، و8% على ما يزيد عن ذلك. وبالمقارنة مع المرسوم التشريعي رقم “30” لعام 2023، الذي عدل قانون ضريبة الدخل رقم “24” لعام 2003، نجد أن الرواتب كانت مقسمة إلى ست شرائح تبدأ من 5% وتصل إلى 15%. قبل عام 2023، كانت ضريبة الرواتب والأجور 18% على الدخل الصافي الذي يتجاوز 260 ألف ليرة. تعتبر النسب الجديدة منخفضة مقارنة بدول أخرى، ففي الأردن مثلًا، وبموجب قانون ضريبة الدخل الأردني (رقم 34 لسنة 2014 وتعديلاته)، تُفرض ضريبة على الأشخاص الطبيعيين بنسب تبدأ من 5% وتصل إلى 15% على شرائح الدخل المختلفة. يتبنى مشروع القانون نظام شرائح ضريبية مبسطًا، حيث تتراوح ضرائب الأنشطة التجارية والصناعية بين 10 و15% لقطاعات مختلفة. كما تحدد المادة “13” حدًا أدنى معفى من الضريبة يبلغ 60 مليون ليرة سورية سنويًا للشخص الطبيعي أو الاعتباري، بهدف حماية أصحاب الدخول المحدودة والمتوسطة.
- الإعفاءات الضريبية (المادة 11 و12): يقدم المشروع، وفقًا للمسودة المنشورة على مواقع وزارة المالية السورية، مجموعة واسعة من الإعفاءات التي تستهدف قطاعات حيوية وأنشطة اجتماعية، مثل:
- القطاع الزراعي: إعفاء كامل للدخل من النشاط الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، لدعم الأمن الغذائي.
- الاستثمار: إعفاء أرباح الأسهم والحصص الموزعة، والدخل الناتج عن التنازل عن حصص الشركاء، وعوائد المستثمر غير المقيم.
- الصادرات: إعفاء صادرات السلع والخدمات ذات المنشأ المحلي، كحافز لدعم الإنتاج المحلي وجلب العملة الأجنبية.
- إعفاءات اجتماعية وثقافية: تشمل دور الحضانة، ومعاهد ذوي الإعاقة، والمؤسسات الدينية والخيرية والثقافية غير الربحية.
نظرة على مسودة قانون الضريبة على الدخل
أوضح الدكتور ياسر المشعل، الأكاديمي المختص بالاقتصاد المالي والنقدي، لـ عنب بلدي، أن القانون يتبنى مبادئ حديثة مثل الأساس الإقليمي للضريبة، حيث يركز على فرض الضريبة على الدخل المتحقق داخل سوريا (المادة 3)، وهو ما يتوافق مع “نظرية المصدر” في فرض الضريبة. وأضاف المشعل أن القانون يتجنب الازدواج الضريبي من خلال إعفاء أرباح الأسهم الموزعة (المادة 11)، وينص على احترام اتفاقيات منع الازدواج الضريبي، ويسير على خطى المعايير الدولية التي تهدف إلى عدم فرض الضريبة على نفس الدخل مرتين.
وفيما يتعلق بالتحول الرقمي، أشار الخبير الاقتصادي إلى أن اعتماد الفوترة الإلكترونية والربط الرقمي ممارسة دولية حديثة تهدف لزيادة الامتثال الضريبي والشفافية، وتوصي بها منظمات مثل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، وأن القانون يقدم إعفاءات لقطاعات محددة مثل الزراعة والصادرات والمشاريع الاجتماعية، وهو أسلوب عالمي لتوجيه الاقتصاد وتحقيق أهداف تنموية.
الدكتور الأكاديمي ياسر المشعل المختص بالاقتصاد المالي والنقدي (جامعة دمشق/كلية الاقتصاد)
الإيجابيات
أكد الدكتور الأكاديمي المختص بالاقتصاد المالي والنقدي ياسر المشعل أن القانون الجديد يحقق:
-
العدالة الاجتماعية: لأن الحد الأدنى المعفى المرتفع (60 مليون ليرة) يعفي شريحة واسعة من أصحاب الدخول المحدودة، مما يخفف العبء عنهم ويحقق نوعًا من العدالة.
-
تحفيز الاستثمار والإنتاج: الإعفاءات الواسعة للقطاع الزراعي والصادرات وأرباح الأسهم تشجع على الاستثمار في القطاعات الإنتاجية الحقيقية بدلًا من الأنشطة الريعية.
-
التبسيط والشفافية: القانون أكثر بساطة ووضوحًا من التشريعات السابقة، كما أن التحول نحو الرقمنة يزيد من الشفافية ويقلل من الاحتكاك المباشر بين المكلف والموظف المالي، مما قد يحد من الفساد.
-
مواكبة المعايير الدولية: يتبنى القانون مفاهيم حديثة مثل التدقيق القائم على المخاطر (العينات) والتوجه نحو الرقمنة، مما يجعله أقرب للممارسات العالمية.
السلبيات والثغرات المحتملة
يرى الدكتور ياسر المشعل أن هناك تحديات تواجه تطبيق مشروع الضريبة على الدخل، إذ يعتمد النجاح الحقيقي للقانون على قدرة الإدارة الضريبية على تطبيق أنظمة الفوترة الإلكترونية والتدقيق الرقمي بكفاءة، في بلد يعاني من تحديات بالبنية التحتية التكنولوجية، قد يكون التطبيق صعبًا ومعقدًا. كما يعاني الاقتصاد السوري من وجود قطاع غير رسمي ضخم، وقد يجد القانون صعوبة في الوصول إلى هذا القطاع، مما يعني أن العبء الضريبي سيظل متركزًا على القطاع المنظم، وهذا يخلّ بمبدأ العدالة والشمولية.
أما بشأن مخاطر تآكل الوعاء الضريبي، فأكد المشعل أن الإعفاءات الواسعة، إذا لم تقابلها زيادة كبيرة في عدد المكلفين الملتزمين، قد تؤدي إلى انخفاض الإيرادات الضريبية على المدى القصير، في وقت تحتاج فيه الدولة إلى تمويل عاجل. وهناك صعوبة في تقييم بعض الدخول، حيث يعتمد القانون على مفاهيم مثل “سعر السوق” لتحديد قيمة الدخل العيني (المادة 28)، وفي ظل تقلبات السوق وعدم استقراره في سوريا، قد يكون من الصعب تطبيق هذا المبدأ بعدالة ودقة، وفقًا للمشعل.
تناسب المشروع مع سوريا
يأتي هذا القانون في مرحلة حرجة يمر بها الاقتصاد السوري الذي يعاني من آثار الصراع الطويل، وتراجع النشاط الاقتصادي، والحاجة الماسة لإعادة الإعمار. وقال أستاذ العلوم المالية والنقدية ياسر المشعل، إن القانون مصمم بذكاء ليتناسب مع هذا الواقع، فهو لا يهدف إلى زيادة العبء على المواطنين المنهكين اقتصاديًا عبر الحد المعفى المرتفع، بل يسعى لتحفيز ما تبقى من قطاعات إنتاجية مثل الزراعة والصناعة والتصدير لتكون قاطرة للنمو. كما أن التركيز على الشفافية والرقمنة خطوة ضرورية لبناء الثقة بين الدولة والمكلف، وهي علاقة تضررت كثيرًا في الماضي.
ويظل التحدي الأكبر هو القدرة على التنفيذ، وأشار المشعل إلى أن إصدار قانون جيد هو نصف الطريق فقط، والنصف الآخر هو بناء القدرات المؤسسية لتطبيقه بعدالة وكفاءة، ودمج الاقتصاد غير الرسمي، ومكافحة الفساد الذي قد يلتف على أفضل التشريعات.
تحليل تأثير المشروع على القطاعات الاقتصادية
القطاع الزراعي
بناء على نصوص مسودة القانون، حسب المشعل، ستكون هناك تأثيرات إيجابية، حيث تعفي المادة “11” بشكل كامل الدخل المتأتي من النشاط الزراعي، بما في ذلك إنتاج المحاصيل وتربية المواشي والأسماك والدواجن، وهذا الإعفاء الكامل سيجعل القطاع الزراعي جاذبًا للاستثمارات المحلية، لأنه يضمن أن كل الأرباح المحققة ستبقى مع المستثمر. وأشار إلى أنه في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها سوريا، يشجع هذا الإعفاء المزارعين على زيادة الإنتاج دون القلق من الأعباء الضريبية، مما يسهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي، ويعفي هذا الإجراء صغار المزارعين والمربين، الذين يشكلون نسبة كبيرة من سكان الريف، من أي التزامات ضريبية على دخلهم الأساسي.
قطاع الصناعة والتصدير
تحدد المادة “9” من المشروع ضريبة منخفضة نسبيًا على قطاع الصناعة بنسبة 10%، وتعفي المادة “11”، “صادرات السلع والخدمات ذات المنشأ المحلي” بشكل كامل. وأكد المشعل أن هاتين المادتين تسهمان في تشجيع الصناعة المحلية، لأن الضريبة المنخفضة تجعل الاستثمار الصناعي ممكنًا ومربحًا، أما الإعفاء الكامل للصادرات فهو حافز قوي جدًا للمصنعين لتوجيه إنتاجهم نحو الأسواق الخارجية، مما يساعد على جلب القطع الأجنبي الذي تحتاج إليه البلاد بشدة. كما يؤدي إعفاء الصادرات من الضريبة إلى زيادة معدل تنافسية المنتج السوري في الأسواق العالمية بسعر أقل.
قطاع المقاولات والإنشاءات
يخضع هذا القطاع للضريبة على “نشاط الأعمال” بنسبة 15% (حسب المادة 9، الفقرة ج “باقي القطاعات”). ويرى دكتور الاقتصاد ياسر المشعل أن هذه النسبة معقولة وترتب عبئًا ضريبيًا متوسطًا، ولكنها قد تشكل عبئًا على الشركات الصغيرة والمتوسطة في قطاع يعتمد بشكل كبير على السيولة، كما سيفرض القانون على شركات المقاولات تنظيم دفاترها واعتماد الفوترة الإلكترونية، وهو تحدٍ كبير لقطاع يعاني من وجود تعاملات غير مسجلة. لكن على المدى الطويل، يبيّن المشعل أن هذه الإجراءات ستزيد من شفافية القطاع وتسهل حصول الشركات الملتزمة على عقود حكومية ومشاريع إعادة الإعمار.
قطاع التكنولوجيا والخدمات الرقمية
تفرض المادة “9” من المشروع ضريبة 10% على قطاعات الاستشارات والتدريب والتقانة والتكنولوجيا، وتفرض المادة “3” ضريبة على الدخل الناجم عن التجارة الإلكترونية للسلع والخدمات. ولأول مرة، يتم النص صراحة على فرض ضريبة على التجارة الإلكترونية، بحسب الدكتور المشعل، مما يهدف إلى دمج هذا القطاع المتنامي ضمن الاقتصاد الرسمي، وتعد نسبة 10% مشجعة للاستثمار في قطاع التكنولوجيا والخدمات الرقمية، خاصة عند مقارنتها بقطاعات أخرى. ولكن التحدي الأكبر، برأي المشعل، سيكون في كيفية تتبع وتحديد الدخل من التجارة الإلكترونية، خاصة تلك التي تتم عبر منصات التواصل الاجتماعي أو من قبل أفراد غير مسجلين مما يتطلب آليات رقابية متطورة.
مقارنة الضريبة في سوريا مع دول المنطقة
يعتبر الخبير الاقتصادي المشعل أن مسودة القانون السوري (مقارنة بقوانين الضرائب في الأردن ومصر والإمارات) هي الأكثر تحفيزًا للقطاعات الإنتاجية من خلال الإعفاءات الواسعة والمعدلات المنخفضة، وهو ما يعكس الحاجة الملحة لإعادة بناء الاقتصاد، والحد الأدنى المعفى للأفراد مرتفع جدًا نسبة لمتوسط الدخل، مما يهدف لتخفيف العبء عن شريحة واسعة من السكان.
ووفقًا لقراءته وتحليله، قال المشعل:
- قانون الضريبة على الدخل في الأردن: يمثل نموذجًا أكثر توازنًا بين جمع الإيرادات وتقديم بعض الحوافز، ومعدلات الضريبة على الشركات والأفراد فيه أعلى وأكثر تصاعدية من سوريا، مما يعكس اقتصادًا أكثر استقرارًا، كما أن الأردن يتقدم في تطبيق الرقمنة الضريبية.
- مصر: لديها نظام ضريبي أكثر تعقيدًا وتصاعدية، خاصة على الأفراد، ويهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وجمع إيرادات كبيرة لدعم الإنفاق الحكومي، ومعدلات ضريبة الشركات فيها ثابتة نسبيًا وأعلى من سوريا والإمارات، ومصر قطعت شوطًا كبيرًا في التحول الرقمي للخدمات الضريبية.
- الإمارات العربية المتحدة: تمثل نموذجًا فريدًا في المنطقة، حيث طبقت ضريبة الشركات مؤخرًا بمعدل منخفض جدًا (9%)، ولا تفرض ضريبة دخل على الأفراد، وهذا يعكس استراتيجيتها في أن تكون مركزًا عالميًا للأعمال والاستثمار، مع الاعتماد على مصادر دخل أخرى غير الضرائب المباشرة على الدخل، ونظامها الضريبي حديث ومتطور ومرتكز على التكنولوجيا.
وخلص الأكاديمي والخبير الاقتصادي إلى أن مسودة القانون السوري مصممة خصيصًا لمعالجة الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، مع التركيز على التحفيز الاقتصادي، على حد تعبيره. بينما تعكس قوانين الأردن ومصر اقتصادات أكثر استقرارًا وتوازنًا بين الإيرادات والحوافز، أما الإمارات فتمثل نموذجًا جاذبًا للاستثمار العالمي بفضل معدلاتها الضريبية المنخفضة جدًا وغياب ضريبة الدخل على الأفراد.