تتصاعد الجهود الدبلوماسية الإقليمية والدولية لدفع الولايات المتحدة نحو رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا منذ سنوات طويلة. هذه المساعي، التي تأتي في ظل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تثير تساؤلات حول إمكانية حدوث تحول في السياسة الأمريكية تجاه دمشق، خاصة مع تزايد الضغوط من حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة ومن داخل الكونغرس نفسه.
تشهد الساحة الدولية نقاشًا محتدمًا بشأن مستقبل العقوبات الأمريكية على سوريا، وعلى الرغم من أن هذه العقوبات كانت أداة ضغط رئيسة ضد النظام السوري سابقًا، فإن العديد من الحلفاء الإقليميين للولايات المتحدة يرون أن استمرارها لن يؤدي إلا إلى تعقيد الأوضاع الإنسانية والاقتصادية في البلاد. تسعى دول مثل قطر، التي تُعَد وسيطًا مهمًا في هذا الملف، إلى تقديم دعمها لإيجاد حلول عملية تساعد في تخفيف الأعباء عن الشعب السوري. وزير خارجية قطر، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أكد خلال زيارة إلى واشنطن أن الإدارة الأمريكية “منفتحة” بشأن سوريا، مشيرًا إلى أهمية رفع العقوبات كخطوة أساسية لتمكين الحكومة السورية الجديدة من العمل بفعالية وتوصيل الخدمات إلى المواطنين.
ورغم التحركات الإقليمية والدولية، لا تزال واشنطن حذرة في التعامل مع الملف السوري، ففي الوقت الذي يدعو فيه بعض أعضاء الكونغرس، مثل السيناتور الديمقراطية جين شاهين، إلى رفع العوائق التي تعرقل التعاون مع الحكومة السورية الجديدة، تشدد الإدارة الأمريكية على ضرورة تحقيق تقدم ملموس في العملية السياسية والإصلاحات قبل اتخاذ أي خطوات فعلية. ويدور النقاش داخل الإدارة الأمريكية حول إمكانية رفع العقوبات الرئيسة المتعلقة بالبنك المركزي وبعض القطاعات الاقتصادية، شريطة تنفيذ الحكومة السورية التزامات محددة تتعلق بإصلاحات سياسية واقتصادية. ومع ذلك، فإن هذه الخطوة ليست مضمونة، إذ إن الشروط الأمريكية تظل معقدة ومتغيرة باستمرار.
أشار المحلل السياسي إبراهيم قيسون في حديث لمنصة سوريا ٢٤ إلى أن العقوبات المفروضة على سوريا ليست محصورة بالولايات المتحدة فحسب، بل تشمل أطرافًا متعددة مثل الدول الأوروبية، واليابان، وبريطانيا، بالإضافة إلى أستراليا وكندا. ومع ذلك، تبقى العقوبات الأمريكية هي الأكثر أهمية وتأثيرًا، نظرًا لمكانة الولايات المتحدة كـ”شرطي العالم”. يضيف قيسون أن هذه العقوبات ليست وليدة الثورة السورية، بل تعود جذورها إلى عام 1980 تقريبًا، إذ فُرضت في البداية بسبب برنامج سوريا للأسلحة الكيميائية وبسبب سياسات حافظ الأسد في تلك الفترة. ومع اندلاع الأزمة السورية عام 2011، توسعت هذه العقوبات عبر أوامر تنفيذية متلاحقة. يلفت قيسون إلى أنه يمكن للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أن يصدر قرارًا برفع العقوبات بشكل كامل أو جزئي عن سوريا، وهذا ما تعمل عليه بعض الأطراف بالتعاون مع وزارة الخارجية السورية، على حد علمه.
تشدد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على مجموعة من الشروط الصارمة لتخفيف أو رفع العقوبات عن سوريا، وأول هذه الشروط يتمثل في تحقيق تقدم ملموس في العملية السياسية عبر تشكيل حكومة شاملة تمثل جميع الأطياف السياسية والمجتمعية في البلاد. كما تشترط واشنطن وقف الانتهاكات الحقوقية، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية، وعدم استخدام الأراضي السورية كقاعدة للإرهاب أو مركز لانتشار الأسلحة الكيميائية.
قال الباحث ومدير قسم التقارير في مركز حرمون للدراسات، طلال المصطفى، في حديث لمنصة سوريا ٢٤: “أتوقع سياسيًا أن الرئيس ترامب قد يراعي في قراره مسارين: الأول هو الرفع الجزئي للعقوبات من أجل تعزيز العلاقات مع الحلفاء الإقليميين والدوليين الذين يضغطون من أجل رفع هذه العقوبات، خاصة مع أهمية تعزيز النفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط وتحقيق مصالح استراتيجية مشتركة مع دول مثل روسيا وإيران. أما المسار الثاني فيتعلق بالتوازن بين الحفاظ على سياسة الضغط على السلطة السياسية الجديدة في سوريا من خلال استمرار بعض العقوبات، وبين ضرورة ضمان تحقيق تقدم في ملفات أخرى، كإعادة الاستقرار في المنطقة”. وأوضح: “في حال اعتبر ترامب أن رفع العقوبات قد يسهم في تحسين الوضع الأمني والاستراتيجي الأمريكي في الشرق الأوسط ويعزز من فرص السلام، فإنه قد يتجه نحو اتخاذ قرارات تتماشى مع هذه المساعي، رغم أن الموقف الداخلي في الولايات المتحدة قد يواجه اعتراضات من بعض الأطراف السياسية التي ترى في العقوبات أداة فعالة لممارسة الضغط على السلطة السياسية الجديدة في سوريا”.
تمثل العقوبات عقبة كبيرة أمام الحكومة السورية برئاسة أحمد الشرع، التي تحاول التخلص من إرث العقوبات المفروضة منذ عام 2011. تواجه الإدارة الجديدة تحديات جسيمة على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، حيث تحتاج إلى إعادة إعمار البلاد وتحقيق الاستقرار الداخلي. غير أن هذه الجهود تبقى محدودة في ظل استمرار العقوبات التي تعيق الاستثمار وإعادة بناء البنية التحتية.
على الرغم من الضغوط الإقليمية والدولية، يبقى القرار النهائي بشأن رفع العقوبات بيد الرئيس ترامب، وفي حال قرر ترامب الرفع الجزئي للعقوبات، قد يكون ذلك مدفوعًا بتقليل النفوذ الإيراني في سوريا وتحقيق مصالح استراتيجية مشتركة مع الحلفاء الإقليميين. ومع ذلك، فإن القرار سيكون متعدد الأبعاد، ويعتمد على تقييم إدارة ترامب للأولويات الأمنية والاقتصادية والدبلوماسية في سياق تطورات المنطقة. وسط كل ذلك، فإن مسألة رفع العقوبات عن سوريا ليست فقط قضية سياسية، بل هي أيضًا إنسانية واقتصادية، فالشعب السوري يعاني من آثار الحرب والعقوبات منذ سنوات طويلة، ويحتاج إلى دعم دولي لإعادة بناء حياته ومعيشته. وبينما تضغط الدول الإقليمية والدولية لتحقيق هذا الهدف، تبقى الولايات المتحدة اللاعب الرئيسي الذي يمكن أن يغير قواعد اللعبة، كما أن الحسم في هذا الملف يعتمد على مدى استجابة الحكومة السورية للشروط المطروحة، ومدى استعداد واشنطن للانخراط في مرحلة جديدة من العلاقات مع دمشق.