الأحد, 27 يوليو 2025 09:12 AM

وداعاً زياد الرحباني: رحيل قامة فنية لبنانية بعد مسيرة حافلة بالإبداع

وداعاً زياد الرحباني: رحيل قامة فنية لبنانية بعد مسيرة حافلة بالإبداع

دمشق-سانا: غيّب الموت اليوم الفنان اللبناني زياد الرحباني عن عمر يناهز 69 عاماً، تاركاً وراءه إرثاً فنياً يمتد لأكثر من خمسة عقود، استخدم خلالها الموسيقى والمسرح والكلمة أدواتٍ لمواجهة القبح ومقاومة الطغيان وتحريض الوعي.

زياد، ابن فيروز وعاصي الرحباني، لم يكن مجرد وريث لعائلة فنية عريقة، بل كان فناناً متمرداً، كتب نفسه على الخشبة، ولحن وجع الوطن، وسخر من كل ما لا يُحتمل.

بدأ الراحل مسيرته الفنية في سن مبكرة، حيث لحن أولى أغانيه وهو في السابعة عشرة من عمره، وكانت أغنية "سألوني الناس" بمثابة إهداء لوالده عاصي الرحباني في فترة مرضه. كما شارك في مسرحية "ميس الريم" عام 1973، ملحناً مقدمتها ومشاركاً بمشهد صغير، وكانت هذه المشاركة بمثابة نقطة انطلاق له في عالم المسرح.

لم يكتف زياد الرحباني بالبقاء ضمن إطار العائلة الرحبانية، بل انطلق في تقديم عروض مسرحية من تأليفه وإخراجه وبطولته، مثل "سهرية سنة 1973" و"نزل السرور 1974" التي صوّر فيها المجتمع اللبناني كبلد ضائع بين التناقضات، و"بكرى شو سنة 1978" التي تميزت بنقد اجتماعي لاذع، وفيلم "أميركي طويل 1980" الذي رفض فيه النماذج المستوردة، مؤكداً أن الواقع أكثر جنوناً من أي خيال سينمائي. وفي "شي فاشل 1983"، قدّم صدمة مؤلمة للواقع وصرخة ساخرة في وجه العجز واللامعنى، ليختتم هذه المرحلة بعمل "بخصوص الكرامة والشعب العنيد (1993)" الذي كان تتويجاً لمشروعه في تحريض الناس على التفكير ومواجهة الطائفية والجهل والتخلف وتثبيت الكرامة.

لم يكن زياد الرحباني مجرد ملحن لأغنيات والدته فيروز الخالدة، بل كان صانع مزاج لبناني جديد، كتب حوارات موسيقية صادقة وحادة وعميقة، مثل "سألوني الناس" و"كيفك إنت والله كبير".

لم يقتصر إبداع زياد الرحباني على المسرح والموسيقى، بل امتد إلى الإذاعة، حيث قدم برامج ساخرة وعميقة، كانت مساحة للضحك المرير والتعليق على الواقع السياسي والاجتماعي بأسلوبه الخاص.

من أبرز أعماله الإذاعية: "بعدنا طيبين، قول الله"، وهو مسلسل إذاعي شهير جسّد شخصيات من الشارع اللبناني يواجهون عبث الحياة بأسلوب ساخر، وبرنامج "في العقل زينة" الذي انتقد الإعلام والسياسة بلغة ذكية وساخرة. كما قدم العديد من البرامج الإذاعية الحوارية والارتجالية واللقاءات التلفزيونية، مستخدماً صوته للتعبير عن كل ما لا يمكن قوله علناً.

ترك الرحباني إرثاً يتجاوز 1500 حلقة إذاعية تنوعت بين السخرية النقدية والتأمل الفلسفي، إضافة إلى العديد من المقالات في الصحف العربية وعشرات المقطوعات الموسيقية.

خيم الحزن على الشارع الثقافي اللبناني والعربي لرحيل زياد الرحباني، الذي لم يكن مجرد فنان، بل ذاكرة وطن ومرآة لجيل وضمير ظل يصرخ رغم كل الضجيج. ووصفه الصحفيون والنقاد والمثقفون بالخسارة التي لا تعوض والصوت الذي كان يعبر عنا أكثر مما نعبر نحن عن أنفسنا.

لم يصالح زياد الرحباني الطائفية ولا التبعية، وكان يرى الفن موقفاً والكلمة سلاحاً والمسرح مساحة للبوح الحقيقي، وكتب عن الوطن المجروح والحروب التي لا تنتهي والحب حين يخنق والإنسان حين يهان.

رحل زياد الرحباني، لكن صوته سيبقى حاضراً في الأشرطة والمسرحيات والمقالات الساخرة والضحكات الباكية، وسيظل محبوه يرددون معه أن الحب لا يحتاج لأي شيء.

مشاركة المقال: