مع بداية موسم الامتحانات، تعيش المدارس أجواءً متوترة وقلقة، لا تقتصر على الطلاب وحدهم، بل تمتد لتشمل أولياء الأمور الذين يشاركونهم الضغوط، وربما أكثر. هذه الحالة، المعروفة بـ "الرهاب الامتحاني"، تتجاوز مجرد القلق الطبيعي، وتؤثر بشكل مباشر على الأداء الأكاديمي والاستقرار النفسي والاجتماعي للأسرة.
بين الأمس واليوم.. قلق يرويه الطلاب والأهالي
جريدة "الحرية" التقت ببعض الطلاب وأولياء الأمور في اليوم الأول من امتحانات الشهادة الإعدادية. عبرت الطالبة رهف عن تجربتها قائلة: "قبل الامتحانات، كنت أجد صعوبة في النوم وأشعر بثقل في صدري كلما فكرت في الامتحان. حتى الطعام لم أعد أتناوله بشكل طبيعي. وفي اللحظات الأولى من الامتحان، شعرت أني نسيت كل ما حفظته، لكن سرعان ما استرجعت كل شيء عندما بدأت العملية الامتحانية بهدوء."
أما والدتها، فأشارت إلى أنها عاشت حالة توتر وخوف لا تقل عن ابنتها، مؤكدة أن هذا هو حال جميع الأهالي: "خوفنا يتحول أحياناً إلى ضغط غير مقصود، لأننا نريد فقط أن نراهم ناجحين، وهذا بحد ذاته يولد قلقاً متبادلاً."
الطالب حسام أضاف: "كنت أشعر بالاستعداد قبل أيام من الامتحان، ولكن مع اقتراب الموعد بدأت أعاني من الأرق والخوف من نسيان كل شيء. اليوم في القاعة، مجرد رؤية ورقة الأسئلة جعلت قلبي يتسارع، ولكن بمجرد قراءتها والإحساس بأنني أعرف الإجابة على الأسئلة، تلاشى التوتر تدريجياً."
والدة إحدى الطالبات عبرت عن قلقها قائلة: "ابنتي كانت تنهار من البكاء بسبب ضغط الامتحان، وأنا لا أعرف كيف أساعدها. نحاول كأسرة أن نكون داعمين، ولكن أحياناً نشعر بالعجز."
رأي متخصص: أين يبدأ القلق وأين ينتهي؟
أكدت الدكتورة ريم كحيلة، أستاذة الإرشاد النفسي في جامعة اللاذقية، أن القلق بحد ذاته ليس بالضرورة حالة سلبية، موضحة: "يجب أن نميز بين القلق كحالة طبيعية والقلق كحالة مرضية. القلق الطبيعي هو استجابة طبيعية للجسم لمواجهة التحديات والمواقف الصعبة، مثل القلق من مواجهة موقف معين في العمل، أو حدث في الشارع، أو الامتحان، أو الدخول في مشروع حياتي جديد. هذا النوع لا يؤثر بشكل كبير في حياة الفرد، بل قد يكون عاملاً محفزاً. أما القلق المرضي، فهو استجابة غير متناسبة مع الموقف، حيث يكون حجم الإثارة مبالغاً فيه من حيث الشدة والزمن والاستمرارية، مما يؤدي إلى خلل في التوازن مع الذات أو البيئة المحيطة بالفرد."
تفاوت بالحالة
أوضحت كحيلة أن الرهاب الامتحاني هو نوع من القلق الذي يشعر به الطلاب قبل أو أثناء الامتحانات، وهو طبيعي وشائع، ويتفاوت بين طالب وآخر من حيث الشدة والمدة الزمنية، ويؤثر على الأداء الأكاديمي سلباً (النسيان، ضعف الثقة بالنفس، درجات منخفضة) أو إيجاباً (دافع محفز للإنتاجية، تأكيد الذات).
أستاذة إرشاد نفسي: التركيز على دور الأهل بتحفيز الطالب وتقبل قدراته ومساعدته على التعبير عن نفسه
وبينت أن من مظاهر وأعراض القلق الامتحاني: صعوبة التركيز، الشعور بالإرهاق المستمر، اضطرابات النوم مثل الأرق، سرعة الانفعال أو الغضب، وأعراض جسدية مثل زيادة ضربات القلب أو صعوبة التنفس، وتختلف هذه الأعراض من شخص لآخر.
عوامل عديدة
تابعت: "العوامل التي تزيد أو تنقص من حدة القلق تشمل المناخ الأسري، أي الضغط الممارس على الطالب من قبل الأهل (عدم التوافق بين توقعات الأهل وقدرات الطالب الحقيقية)، بالإضافة إلى العامل الذاتي للطالب (التحضير الدراسي أو عدمه)، وأهمية الخبرات الاجتماعية والتجارب السابقة للطالب، وحتى القصص التي يسمعها من زملائه أو وسائل الإعلام."
نصائح
وأضافت: "كيف يمكن مساعدة الطالب للتخلص من القلق الامتحاني؟ يجب على الطالب تعلم مهارات الدراسة الفعالة من خلال تحديد الأهداف (وضع أهداف واضحة ومحددة لكل جلسة دراسية)، تنظيم الوقت (وضع جدول زمني محدد للدراسة يومياً والابتعاد عن المشتات)، اختيار المكان المناسب للدراسة، تقسيم المواد (تجزئة المعلومات إلى أجزاء صغيرة لتسهيل التعلم والفهم)، استخدام طرق وأساليب متنوعة للدراسة مثل الخرائط الذهنية والملاحظات والرسوم البيانية، والتقييم الذاتي من خلال حل الاختبارات والنماذج الامتحانية السابقة. ولا ننسى أهمية الاستراحات المنتظمة، والطعام الجيد، والنوم الكافي، وتدريب الطالب على التنفس العميق والاسترخاء العضلي والذهني، واستبدال الأفكار السلبية بأخرى إيجابية."
الدعم الأسري
أشارت إلى أهمية دور الأهل في تحفيز الطالب وتشجيعه، وتقبل قدراته ومساعدته على التعبير عن نفسه، والتحدث بإيجابية، وتقبل مشاعر القلق لديه، ومناقشة التوقعات السلبية والإيجابية، والتعرف على نقاط القوة والضعف لديه، وتقديم الدعم المطلوب، والتحدث عن نماذج ناجحة في الحياة تكون قدوة له.
ولفتت إلى أن التركيز على النجاح في الامتحان يساعد على الاسترخاء والشعور بالرضا والارتياح، ويعطي الإيحاء بأن المعلومات سوف تأتي تباعاً.
وفي هذه الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، من المهم أن يرى الطالب في أهله ملجأً لا عبئاً إضافياً، والتركيز على النجاح وليس الفشل لأنه مفتاح الأداء الجيد.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية