يواجه موسم الفستق الحلبي في ريف إدلب الجنوبي تهديدًا خطيرًا وغير مسبوق، وذلك بسبب تفشي حشرة الكابنودس التي تهاجم جذور الأشجار وتتسبب في موتها التدريجي. تُعرف هذه الآفة أيضًا باسم "حفار الساق"، وهي تنتشر بصمت في الحقول غير المروية، في ظل ضعف الإمكانيات الزراعية وغياب الدعم الفعال للمزارعين، الأمر الذي ينذر بكارثة زراعية تهدد مصدر رزق آلاف العائلات.
بلدة التمانعة.. قلب الإنتاج في خطر
تعتبر بلدة التمانعة، الواقعة في الريف الجنوبي لمحافظة إدلب، من أبرز المناطق المعروفة بزراعة الفستق الحلبي، إلى جانب خان شيخون. يؤكد زهير البكري، مختار البلدة، أن عدد سكان التمانعة يتجاوز 20 ألف نسمة، ويعتمد معظمهم بشكل أساسي على زراعة الفستق الحلبي، حيث تضم البلدة أكثر من نصف مليون شجرة تتراوح أعمارها بين 5 إلى 70 عامًا. وأضاف أن سنوات الحرب والنزوح الطويلة أضعفت العناية بهذه الأشجار، وسمحت للآفات بالانتشار، وعلى رأسها حشرة الكابنودس. ويوضح البكري أن هذه الحشرة تسببت بخسائر كبيرة في أعداد الأشجار، وأن المزارعين العائدين واجهوا تحديات عديدة في محاولاتهم لمكافحتها، منها غلاء أسعار المبيدات وندرتها، بالإضافة إلى نقص المياه والأسمدة وغياب المعدات الزراعية اللازمة.
صعوبة المكافحة وغلاء التكاليف
من جهته، يصف المزارع أحمد العلوان، أحد أبناء التمانعة، في حديثه إلى منصة "سوريا 24"، حشرة الكابنودس بأنها "الأخطر على الإطلاق"، موضحًا أن انتشارها تفاقم نتيجة غياب السكان خلال سنوات التهجير وانعدام الخدمات الزراعية. وأضاف أن الحشرة تضع بيوضها على الأشجار، وتنتقل إلى الجذور، ما يجعل مكافحتها بالطرق التقليدية شبه مستحيلة دون حملة جماعية واسعة، وهو ما يعجز عنه الأهالي حاليًا بسبب غلاء أسعار المبيدات. فالمبيد الواحد قد تصل تكلفته إلى 10 دولارات لخمس أشجار، ناهيك عن المبيدات الفطرية اللازمة لمعالجة التعفن الناتج عن دخول الحشرة وخروجها من جذع الشجرة. وأشار أحمد إلى أن ضعف الأمطار هذا العام فاقم الوضع سوءًا، إذ تنتشر الحشرة بشكل أكبر في الحقول الضعيفة وغير المروية، ما أدى إلى موت أعداد كبيرة من الأشجار، في حين بقيت الحقول المروية بحالة مقبولة نسبيًا.
الجهات الزراعية تحذر وتقدم الإرشادات
من جانبه، أوضح المهندس عبد اللطيف غزال، رئيس دائرة الشؤون الزراعية والوقاية، في تصريح خاص لـ"سوريا 24"، أن شجرة الفستق تعرضت لخطر حقيقي نتيجة النزوح القسري الذي أدى لإهمال الأشجار، ما وفر بيئة مثالية لتفشي حشرة الكابنودس في مناطق التمانعة وخان شيخون، وتسبب بهلاك مساحات واسعة من الأشجار وفقدان الموسم الزراعي. وأوضح غزال أن هذه الحشرة تقضي مرحلة اليرقة في الجذور تحت التربة لمدة تصل إلى عامين، وتتغذى على الجذور الرئيسية، ما يؤدي في النهاية إلى موت الأشجار. وأضاف أن مكافحتها تحتاج إلى عمليات ري منتظمة، وتغذية الأشجار بالأسمدة العضوية والكيميائية، بالإضافة إلى المعالجة الكيميائية الدقيقة، وهو ما يصعب على المزارعين المنهكين ماديًا. وأكد غزال أن مديرية الزراعة تعمل على الحد من انتشار هذه الآفة عبر الندوات الإرشادية وتعليم المزارعين طرق المكافحة المثلى، إلا أن حجم الانتشار والخسائر يتطلب جهودًا أكبر وتنسيقًا أوسع.
انتشار في جميع المحافظات
رغم أن بلدة التمانعة تُعد من أكثر المناطق تضررًا، إلا أن حشرة الكابنودس لم تعد محصورة في ريف إدلب فقط، بل أصبحت منتشرة في جميع حقول الفستق الحلبي في مختلف المحافظات السورية، ما يجعل من هذه الآفة خطرًا واسعاً يتطلب استجابة فورية ومنظمة لإنقاذ هذا المحصول الاستراتيجي الهام.