أخبار سوريا والعالم/ دمشق – المهندس باسل قس نصر الله: "وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ" (البقرة: 190).
في دمشق، استُهدفت كنيسة مار إلياس في الدويلعة. هذا التفجير لم يستهدف الحجر ومن صلى فيه فحسب، بل أعاد فتح جراح قديمة وأثار القلق العميق لدى المسيحيين الذين عاشوا في الشرق لقرون، كجزء أصيل من نسيجه.
يدرك المسيحي في المجتمعات ذات الأغلبية الإسلامية أن الديمقراطية تعني حكم الأكثرية، مما يجعله في موقع هش، عرضة لخسارة مكتسبات حضارية أو حياتية بسبب خطاب ديني متشدد يراه "آخر" يجب تقليصه أو تطهيره.
هذا الخوف المسيحي ليس جديدًا، بل هو تراكم تاريخي منذ المجازر العثمانية، وصور التهجير والاضطهاد، وظهور صوت التطرف الإسلامي الذي يسعى لتكفير كل مختلف، ليحل محل الدولة باسم "الحاكمية".
الخطر الأكبر هو أن التطرف لم يعد فرديًا، بل أصبح منظومة فكرية تدعم من يحملون القنابل والأحزمة الناسفة. المشكلة ليست فيمن فجر كنيسة مار إلياس، بل فيمن علّمه أن دم المصلين مباح، وقدم له ذلك تحت شعار "نصرة الإسلام".
قال الله تعالى: "وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا" (المائدة: 32)، فكيف تزهق الأرواح باسم دين جاء رحمة للعالمين؟
المسيحي الشرقي خائف، ليس من المسلم، بل من الأمية الإسلامية والإسلام المغشوش الذي خطفه الجهلة لإقامة نظام يقصي كل مختلف. هذا الخوف دفعه إلى الانكماش أو الهجرة، حيث لا عودة.
المؤلم أن بعض الحكومات لم تفهم عمق الخوف المسيحي، بل استخدمته كورقة سياسية، مستعينة برجال دين من المسلمين والمسيحيين لعرض مسرحيات الحوار بين الأديان، بينما الواقع يعكس غير ذلك.
أليس من الطبيعي أن تصبح الهجرة نزيفًا دائمًا، وأن يصبح الوجود المسيحي في المشرق مهددًا ليس من مسلمي الشارع، بل من الخطاب المتشدد وغياب الطمأنينة؟
الخوف لا يعالج بكرنفالات، بل بتربية وتعليم وخطاب ديني حقيقي وإعلام واع وعدالة اجتماعية، وبتصحيح العلاقة مع الفقر والتهميش، وبمشاركة المسيحي كمواطن لا كضيف.
محاربة الإرهاب لا تكون بقمعه فقط، بل بتجفيف منابعه، بالعمل على الأحزمة الفقيرة التي تنتج الكراهية. فالمتطرف يصنع في بيئات الجهل والبطالة والتهميش. ولو كان فيهم علم أو فهم، لعلموا أن النبي ﷺ قال للأعرابي الذي دعا بالرحمة له وحده: "لقد حجّرتَ واسعاً يا أخا العرب".
نحن المسيحيين المشرقيين باقون، لكننا نريد طمأنينة لا شعارات، وضمانة من إيمان عميق، لا فقط من نطق الشهادتين. نريد أن نعيش معًا في نور الله، لا في ظلام من يدّعون نصرته.
الإيمان بالله لا يفرق بين رسله ولا بين عباده، وقد قال سبحانه: "آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ۚ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ" (البقرة: 285).
في الختام، نقول كما قال موسى لربه: "أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا؟" (الأعراف: 155)
فلا تهلكونا يا إخوتنا، بما يفعل منكم السفهاء.
هل يعقل أن تفجر كنيسة في الدويلعة، ثم ينادى على وسائل التواصل "اللهم ارحم موتى المسلمين فقط"؟ ألم يقل القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} وليس يا أيها المسلمون؟ وورد قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} (89 مرة)، ولم يقل "يا أيها الذين أسلموا"، لأن الإسلام بلا إيمان ليس كافيًا، كما جاء في قوله: "قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ" (الحجرات: 14)، ولكن هناك من يجتهد ويقول أنه يكفي ان تكون مسلماً فهذا يعني ان تكون مؤمناً.
هل تفجير كنيسة الدويلعة و"استشهاد" العشرات .. هو من العمل الصالح؟
اللهم اشهد بأنني بلّغت.