الأربعاء, 25 يونيو 2025 02:37 AM

حلب: معاناة مستمرة لعائلات "السكن الشبابي" وحلم العودة المؤجل

حلب: معاناة مستمرة لعائلات "السكن الشبابي" وحلم العودة المؤجل

تعيش آلاف العائلات النازحة من منطقة السكن الشبابي بالقرب من حي الأشرفية في حلب، شمالي سوريا، حالة من الانتظار والقلق، وذلك بانتظار حل ينهي معاناتهم التي استمرت لأكثر من عشر سنوات من الغياب القسري عن منازلهم. وعلى الرغم من الهدوء الميداني النسبي، لا تزال التعقيدات الأمنية والإدارية تشكل عائقًا رئيسيًا أمام عودتهم.

تشير إحصائيات اللجنة المكلفة بمتابعة هذا الملف نيابة عن أهالي المنطقة، إلى أن عدد العائلات المتضررة يتجاوز 2800 عائلة. يتركز الخلاف على منطقة تضم مجمعات سكنية شبابية، تعرف بين السكان المحليين باسم "السكن الشبابي"، وتقع على أطراف حي الأشرفية شمالي المدينة. لا تزال قوات "سوريا الديمقراطية" (قسد) تتمركز في المنطقة، مما يبقيها خارج نطاق السيطرة الإدارية المحلية، ويعيق أي خطوات رسمية لإعادة السكان، ويزيد من تعقيد إيجاد حلول عادلة ودائمة.

مع انتهاء المعارك منذ سنوات، لا تزال المنطقة مغلقة أمام الأهالي، مما اضطر الكثيرين للإقامة المؤقتة في أحياء أخرى، أو اللجوء إلى مناطق تعاني من ضعف الخدمات وارتفاع الإيجارات، أو حتى إلى مخيمات النزوح.

وعود دون تنفيذ

رصدت عنب بلدي شهادات لعدد من السكان الذين مُنعوا من العودة إلى منازلهم، على الرغم من مرور سنوات على نزوحهم. "أبو محمد"، أحد المتضررين، والذي تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية، كونه يتردد على مناطق سيطرة "قسد" في حلب، أفاد بأنه غادر منزله في 12 حزيران 2014، ولم يُسمح له بالعودة حتى اليوم. وأوضح أن الأهالي قدموا قوائم بأسمائهم وتفاصيلهم إلى جهات في "قسد"، لكن الرد جاء بالرفض دون إبداء الأسباب.

تحولت بعض المنازل إلى مراكز تدريب عسكرية، فيما استُخدمت ممتلكات الأهالي من قبل "قوى الأمن الداخلي" (أسايش)، وتعرضت المنازل لأضرار وسرقات طالت البنية التحتية، وفقًا لـ"أبو محمد". يطالب الأهالي بحل عاجل، مؤكدين استعدادهم لإعادة ترميم المنازل على نفقتهم الخاصة أو عبر مؤسسات المجتمع المدني، بينما لا تزال بعض العائلات تقيم في خيام بالقرب من المنطقة، دون حلول جذرية.

أشار "أبو محمد" إلى أن السكان تواصلوا مع لجنة المتابعة في أمن الدولة ومكتب محافظ حلب، إلا أن الرد جاء بأن "الملف لا يدخل ضمن صلاحياتهم"، مما دفع بعض الأهالي للتفكير حاليًا بتنظيم وقفات احتجاجية عند مداخل الحي.

"التحرير ناقص"

سيدة تقيم مع عائلتها في مخيم الكوسا في ريف جرابلس، هُجّرت قسرًا من منزلها في السكن الشبابي وفضلت عدم ذكر اسمها لأسباب اجتماعية، قالت لعنب بلدي إن "التحرير ناقص" ما دامت ممنوعة من العودة إلى منزلها، وتعيش في خيمة تفتقر لأدنى مقومات الحياة من ماء وكهرباء وتعليم، في حين تعتبر أن العودة حق مدني يجب ألا يرتبط بأي اعتبارات سياسية أو عسكرية.

وأضافت أن السكن الشبابي كان منطقة مدنية بالكامل قبل تحوله إلى نقطة عسكرية، ولا يزال مغلقًا أمام السكان، على الرغم من عودة معظم أهالي حي الأشرفية المجاور إلى منازلهم، الأمر الذي يزيد من الشعور بالتمييز والإقصاء. واعتبرت أن منازل الحي تعرضت للسيطرة والتصرف من قبل جهات عسكرية متعاقبة، من بينها "لواء شهداء بدر" التابع سابقًا لـ"الفرقة 16" في "الجيش السوري الحر" بقيادة خالد حياني، قبل أن تصل "قسد" إلى المنطقة وتتابع بدورها السيطرة على عدد من المنازل، وسط معلومات متداولة عن بيع بعضها بأسعار زهيدة.

تنتظر السيدة قرارًا رسميًا يتيح لها العودة، كما وجهت مناشدات للرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، ومحافظ حلب، عزام الغريب، للتدخل لحل الملف، وإنهاء ما وصفته بـ"التمييز القائم على التصنيفات السياسية".

ملف مؤجل

على الرغم من المزاعم التي تتحدث عن عدم وجود مانع رسمي من قبل "قسد" يحول دون عودة السكان، وأن الوضع على الأرض من تضرر الأبنية هو ما يعيق العودة، أفاد خلدون الطويل، أحد وجهاء الحي المتواصلين مع إدارة "قسد"، بأن الأهالي نظموا أربع محاولات جماعية للعودة خلال الأشهر الماضية، ضمت كل منها نحو 50 شخصًا، وقُدمت خلالها أسماء الأهالي المعنيين، لكن دون نتائج ملموسة، مما يعكس ضبابية المشهد واستمرار إغلاق الحي.

خلال تنفيذ اتفاق تبادل الأسرى الثاني بين "قسد" والحكومة السورية، في 2 حزيران الحالي، طُرح ملف السكن الشبابي على عضو لجنة الاتفاق وقيادي الأمن العام، سراقة عموري، الذي أكد بدوره أن الملف محط اهتمام، إلا أن الأولوية حاليًا تُمنح لملف الأسرى، بحسب ما رصدته عنب بلدي آنذاك.

مشروع حكومي لمحدودي الدخل

تأسس السكن الشبابي ضمن مشاريع إسكان حكومية لتأمين مساكن مدعومة للشباب وذوي الدخل المحدود، قبل أن يتحول إلى ساحة نزاع، وتتعرض بنيته التحتية لأضرار جسيمة. وسيطرت على المنطقة جهات أمنية وعسكرية مختلفة، بينها "لواء شهداء بدر"، ثم "قسد"، ولا تزال العودة إلى الحي متعذرة في ظل غياب حلول رسمية، وتضارب التصنيفات الأمنية والإدارية للمنطقة.

تعود مشاريع السكن الشبابي في حلب إلى أوائل العقد الأول من الألفية، وتوزعت على ضاحيتي المعصرانية والأشرفية، حيث بلغ عدد المكتتبين فيها نحو 9125 مكتتبًا بين عامي 2002 و2004، بحسب تصريحات المديرة السابقة لفرع المؤسسة العامة للإسكان بحلب، ميادة التنجي، لوكالة الأنباء الرسمية (سانا).

مشاركة المقال: