الجمعة, 27 يونيو 2025 03:38 PM

صراع الروايات: ترامب والإعلام الأمريكي في مواجهة حول 'الحقيقة' بشأن إيران

صراع الروايات: ترامب والإعلام الأمريكي في مواجهة حول 'الحقيقة' بشأن إيران

بينما تتجه الأنظار نحو تداعيات الضربة الأمريكية الأخيرة على المنشآت النووية الإيرانية، تتصاعد حدة المواجهة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ووسائل الإعلام الأمريكية، وعلى رأسها شبكة CNN وصحيفة «نيويورك تايمز». هذه المعركة لا تقتصر على التفاصيل الميدانية، بل تتجاوزها إلى تحديد من يمتلك «حق الرواية الأخيرة للحدث».

في 25 حزيران (يونيو) 2025، عرضت CNN تقريراً استند إلى تقييم استخباراتي أولي صادر عن «وكالة استخبارات الدفاع» (DIA)، يشير إلى أن الضربات الأمريكية «لم تدمر كلياً» البنية التحتية النووية لإيران، بل «أخرت البرنامج النووي الإيراني لعدة أشهر فقط وليس لعقود كما أشيع». رد الرئيس ترامب سريعاً، واصفاً الصحافية ناتاشا بيرتراند بأنها «تكذب»، ومطالباً بطردها «كما يطرد الكلب»، متهماً إياها بـ «تشويه صورة الطيارين الوطنيين» الذين نفذوا الضربة، وربط ذلك بتقاريرها السابقة. وفي بيان رسمي، وصف البيت الأبيض التقييم بأنه «منخفض الثقة» و «تسريب غير مسؤول يهدف لتقويض الإدارة»، مؤكداً أن «الضربة كانت دماراً شاملاً».

ردت بيرتراند على تصريحات ترامب بأسلوب غير معهود، فنشرت في حسابها على إنستغرام مقطعاً يؤكد عبارة ترامب «رميت مثل الكلب»، تلاه ميم لكلبها Wallace Cornelius III، مع تعليق «أخذتها على محمل شخصي»، وصورة لكلبتها الأخرى مرفقة بتعليق ساخر.

من جانبها، أيدت صحيفة «نيويورك تايمز» ما نشر عن تقييم DIA، مشيرة إلى أنه رغم وصف ترامب للتقرير بـ «الأخبار الكاذبة»، إلا أنه اعترف باطلاعه عليه. وقال المتحدث باسم الصحيفة، تشارلز شتادلاندر: «إذاً، فإن بيان البيت الأبيض كان هو الكاذب، لا تقريرنا».

أكد الإعلاميون في CNN، وعلى رأسهم جيك تابر، أن «الصحافيين لم يخترعوا هذه المعلومات بل نقلوها»، واصفين حملة ترامب بأنها محاولة لترويع الصحافيين وإخضاعهم. وذكّروا بسوابق للإدارات الأميركية المتعاقبة في تضليل الإعلام والرأي العام، كما حدث في حربي فيتنام والعراق، حين كشفت لاحقاً وثائق تدحض الروايات الرسمية.

ما يجري ليس مجرد خلاف حول تغطية ضربة عسكرية، بل هو صراع على السردية. يسعى ترامب لتحويل أي اختلاف إعلامي إلى «خيانة»، ويحمّل الصحافيين مسؤولية التشكيك في «بطولاته»، بينما تتمسك الصحافة الأميركية بحقها في تقديم رواية بديلة، ليس دائماً بدافع قول الحقيقة، بل أحياناً انسجاماً مع مصالحها المؤسسية.

وفي مقال نشره «معهد الجزيرة للإعلام» بتاريخ 15 حزيران 2025، بعنوان «كيف تجاهلت وسائل الإعلام الأميركية حقائق الضربة العسكرية على إيران؟»، وثقت حالات من الانحياز الإعلامي، لا سيما من «نيويورك تايمز» وCNN، حيث اكتفت الأولى بترديد بيانات البيت الأبيض، مركزة على «دقة» الضربة و «أثرها الرادع»، دون الإشارة إلى الضحايا المدنيين أو التشكيك في قانونية الهجوم. أما CNN، فقد انشغلت بالبث المباشر واستعراض القوة الأميركية، متجاهلة الأصوات من داخل إيران وتحذيرات منظمات حقوقية من أن العملية استهدفت مناطق مأهولة.

الأسوأ أن المنصتين لم تحاولا تقديم سردية بديلة أو حتى متوازنة، بل ساهمتا في شرعنة العملية عبر تغييب السياق التاريخي والسياسي، وتقديم طهران كتهديد وجودي. بهذا، لم تقصف إيران وحدها، بل الحقيقة أيضاً. وفي هذا السياق يمكن فهم الترويج لتقرير الاستخبارات الأميركية الذي يقلل من فاعلية الضربة الأميركية تجاه المنشآت النووية هو لصالح إسرائيل التي لا تبدو راضية عن التدخل الأميركي المحدود في حربها الأخيرة ضد إيران التي أدت إلى الضغط عليها للقبول بهدنة لوقف إطلاق النار.

منذ عودته إلى البيت الأبيض وترامب يحاول التخلص من وسائل وشبكات الإعلام الكبرى التي صارت تشكل واحدة من جماعات الضغط التي تعمل لصالح قوى أبرزها اللوبي الصهيوني، الذي يمتلك حضوراً عميقاً في غرف التحرير ومجالس إدارة الشبكات الكبرى مثل NBC وABC وحتى «نيويورك تايمز».

في كل مرة تشتعل فيها حرب في الشرق الأوسط، تظهر هذه العلاقة على السطح: في الانتقاء اللغوي، في تغييب الضحايا غير المرغوب في ذكرهم، وفي الدفاع عن قرارات عسكرية لم تطرح حتى للنقاش العام، والعمل على تطبيع فكرة العدوان العسكري الأميركي على بلدان كأداة «مشروعة» ويصير النقاش: هل كانت كافية أم كان عليها أن تكون أكبر وأكثر فتكاً؟، بما يسهم في تغييب النقاشات حول أخلاقيات وسياسات الحروب.

لكن قبل اتهام ترامب بتقييد حرية الإعلام، ربما يجدر بنا أن نسأل: هل الإعلام الأميركي حرٌ فعلاً؟ أم أنه نفسه جزءٌ من ماكينة السلطة والعدوان، والخلاف فقط على رواية تناسب قاطن البيت الأبيض أو تل أبيب؟

مشاركة المقال: