يرى د. سلمان ريا أن إعادة الإعمار في سوريا تجاوزت مجرد ترميم الأضرار، لتصبح معركة لإعادة صياغة النموذج الاقتصادي الوطني. هذه اللحظة التأسيسية تتطلب إرادة سياسية وتشريعية قوية، تقوم على مبدأ السيادة الاقتصادية كركيزة للسيادة السياسية، والتنمية عبر اقتصاد مؤسسي منتج بدلاً من اقتصاد ريعي هش.
كشفت الحرب عن نقاط ضعف هيكلية في المنظومة الاقتصادية والتشريعية التي حكمت البلاد لعقود. العلاقة التقليدية بين الدولة والاقتصاد، القائمة على التحكم والوصاية، لم تعد مناسبة. المطلوب هو الانتقال من اقتصاد يعتمد على الريع والاحتكار إلى اقتصاد إنتاجي معرفي، يعزز الشراكة ويعيد الاعتبار لدور القطاع الخاص.
القوانين الاقتصادية الحالية غير قادرة على تحفيز الاستثمار الحقيقي. فالشركة لا تزال تعتبر مجرد سجل تجاري، وليست أداة لتوليد القيمة. هذا يستدعي إعادة صياغة قانون الشركات، وتكييفه مع اقتصاد السوق الاجتماعي، من خلال دعم الشركات محدودة المسؤولية، وتسهيل الإجراءات لرواد الأعمال، وتمكين المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
تحديث التشريعات وحده لا يكفي، بل يتطلب كيانات قادرة على إدارة رأس المال بكفاءة وتحمل المخاطر. هنا تبرز الشركات القابضة كأداة لإدارة مجموعات اقتصادية متكاملة، قادرة على التوسع والاستدامة، وتجميع رؤوس الأموال وتوجيهها نحو القطاعات المنتجة. يمكن لهذا النموذج أن يشمل شراكات مع الدولة في مجالات البنية التحتية والطاقة والنقل.
التكتلات المالية تمثل مستقبل الاقتصاد، وهي شبكات تعاون بين مؤسسات مستقلة تتقاسم التمويل والخبرة. هذه التكتلات تتجاوز قيود الاستثمار الفردي، وتوفر بيئة للابتكار والتمويل المشترك، وتوسع السوق، وتعزز القدرة التفاوضية للمشاريع الوطنية، وتفتح المجال للاندماج الإقليمي في الصناعة والزراعة والتكنولوجيا.
كل ذلك يتطلب إصلاحًا للقطاع المصرفي، الذي لا يزال يعيق النهوض الاقتصادي. معظم التمويل موجه نحو الاستهلاك والمضاربات العقارية، بينما تفتقر القطاعات المنتجة إلى التمويل المستقر. التحول إلى التمويل التنموي ضروري، ويتطلب أدوات جديدة مثل صناديق الاستثمار القطاعية والتمويل الجماعي ورأس المال المغامر، مع تعزيز استقلالية المصارف وتطوير الأطر الرقابية.
الاقتصاد السوري يحتاج إلى إعادة توليد، من خلال كسر النمط القديم وتبني رؤية اقتصادية جديدة تعيد تعريف العلاقة بين الدولة والسوق، وتمنح المؤسسات الوطنية دورًا رياديًا في الإنتاج والتصدير والابتكار. هذه فرصة لإعادة بناء سوريا كدولة إنتاج ومؤسسات واقتصاد معرفي تنافسي.
الاستثمار المؤسسي والتكتلات المالية المرنة والشبكات الإنتاجية الواسعة ضرورية لنقل سوريا من اقتصاد هامشي إلى اقتصاد فاعل وقادر على مواجهة التحديات.
(موقع اخبار سوريا الوطن-1)