الإثنين, 30 يونيو 2025 09:11 PM

تفجير دمشق: تنظيم "الدولة" يعود بضربة دامية ويستهدف دور العبادة

تفجير دمشق: تنظيم "الدولة" يعود بضربة دامية ويستهدف دور العبادة

هزّ التفجير الانتحاري الذي استهدف المصلين في كنيسة “مار إلياس” بدمشق، الشارع السوري، مخلفًا 25 قتيلاً و63 جريحًا، في واحدة من أعنف الهجمات التي تشهدها العاصمة. وقد أثار هذا التفجير موجة إدانات واسعة على المستويات المحلية والدولية والأممية.

أعلنت وزارة الداخلية السورية أن تنظيم “الدولة الإسلامية” يقف وراء التفجير، معتبرةً ذلك تطورًا لافتًا في أسلوب الاستهداف، خاصة بعد إحباط محاولتين سابقتين لضرب مواقع دينية بارزة، هما مقام السيدة زينب وكنيسة في بلدة معلولا، مما يعكس إصرار التنظيم على استهداف دور العبادة.

تنظيم “الدولة”، الذي عادى الثورة السورية وحاربها لسنوات، ووصفها بـ "ثورة جاهلية"، جدد بهذا الهجوم نهجه العنيف، رغم تراجع حضوره واعتماده أسلوب الكمائن والهجمات الخاطفة. ويأتي هذا التفجير في وقت تحذر فيه جهات دولية من استغلال التنظيم لسقوط نظام الأسد لإعادة تنظيم صفوفه وتنفيذ الهجمات.

يسلط هذا الملف الضوء على نشاط التنظيم بعد سقوط حكم الأسد، ويناقش مع خبراء وباحثين دلالات استهداف دور العبادة واختيار العاصمة دمشق، والرسائل من تفجير “مار إلياس”، ومدى خطورة التنظيم في سوريا، والعوامل التي تدفع لعودته واحتمالات زيادة نشاطه مستقبلًا.

رسائل من دور العبادة

في 22 من حزيران، استهدفت كنيسة “مار إلياس” بمنطقة الدويلعة في دمشق بتفجير انتحاري أدى إلى مقتل 25 شخصًا وإصابة 63 آخرين، تبع ذلك اتهام وزارة الداخلية السورية لتنظيم “الدولة” بالوقوف وراء التفجير، استنادًا إلى معطيات أولية تشير إلى تورط التنظيم. وقد أفاد الأب ملاطيوس شطاحي بأن المصلين سمعوا صوت إطلاق رصاص من خارج الكنيسة، ثم دخل شخصان يحملان عبوات ناسفة وفجرا نفسيهما، بينما ذكر المتحدث باسم الداخلية، نور الدين البابا، أن التحقيقات الأولية تشير إلى أن منفذ التفجير شخص واحد وليس اثنين.

واعتبر نور الدين البابا أن الموقف “الوطني” للمسيحيين في سوريا كان السبب الرئيسي لاستهدافهم، مشيرًا إلى أن دور العبادة لها مكانة “رمزية خاصة”، وأن التنظيم يهدف إلى “بث الفرقة الطائفية” وتشجيع كل مكون طائفي في سوريا على حمل السلاح، بهدف إظهار عجز الدولة السورية عن حماية مواطنيها، وإنتاج ميليشيات طائفية.

“والي الصحراء”.. لا “سرايا أنصار السنة”

بعد يوم، أعلنت وزارة الداخلية عن تنفيذ عملية أمنية في مدينتي حرستا وكفر بطنا ضد خلية لتنظيم “الدولة”، أسفرت عن مقتل شخصين، أحدهما متورط بتسهيل دخول الانتحاري إلى الكنيسة، والقبض على خمسة عناصر آخرين بينهم متزعم الخلية، بعد اشتباكات معهم. ورغم تبني جماعة تدعى “سرايا أنصار السنة” للعملية، وهي مجموعة مجهولة العدد والمكان والتبعية ظهرت بعد سقوط النظام، إلا أن وزارة الداخلية أكدت أن خلية التفجير تتبع لتنظيم “الدولة الإسلامية” بشكل مباشر.

وأكد المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية، نور الدين البابا، أن متزعم الخلية شخص سوري الجنسية، يدعى محمد عبد الإله الجميلي، ويكنى بـ "أبو عماد الجميلي"، وهو من سكان منطقة الحجر الأسود في دمشق، وكان يعرف بلقب “والي الصحراء” لدى التنظيم. وأشار إلى أن الانتحاري الأول الذي نفذ تفجير الكنيسة، والثاني الذي ألقي القبض عليه وهو في طريقه لتنفيذ تفجير انتحاري في مقام “السيدة زينب”، قدما إلى دمشق من مخيم “الهول” شمال شرقي سوريا، عبر البادية السورية، وتسللا بعد تحرير العاصمة، بمساعدة “أبو عماد الجميلي”.

وقد سبقت قدوم الانتحاريين من “الهول” تحذيرات عدة دول من عودة نشاطه، إذ نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، في نيسان الماضي، تحذيرات خبراء من أن تنظيم “الدولة” قد يجد طريقة لتحرير آلاف من مقاتليه المحتجزين في سجون “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد). في المقابل، نفت “قسد” أن يكون الانتحاريان اللذان هاجما كنيسة “مار إلياس” قدما من مخيم “الهول”.

أربعة أهداف من التفجير

يهدف التنظيم من الهجوم على الكنيسة إلى زعزعة الاستقرار الذي تسعى الحكومة لإرسائه، وتقويض التعايش الأهلي والسلمي، وإضعاف البيئة الاقتصادية، والترويج لعودة التنظيم، وإثبات وجوده في المشهد السوري وقدرته على التأثير فيه، وتغيير أولويات الحكومة.

لماذا دور العبادة

سبق تفجير الكنيسة إحباط الداخلية محاولة خلايا لتنظيم “الدولة” استهداف مقام “السيدة زينب” في محيط دمشق، في كانون الثاني الماضي، وبث اعترافات لأفراد خلية ذكرت تخطيطها للهجوم على كنيسة في مدينة معلولا بسيارة مفخخة تزامنًا مع عيد رأس السنة الميلادية. وقد وثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” 1453 حادثة اعتداء على أماكن عبادة خلال 13 عامًا في سوريا (منذ آذار 2011 إلى آذار 2024)، يتحمل الحلف السوري- الروسي- الإيراني مسؤولية قرابة 86% منها.

ويرى الباحث عبد الرحمن الحاج أن التنظيم سعى من محاولة تفجير مقام “السيدة زينب” إلى إظهار ضعف حكم الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، وإشعال حماسة الشيعة وحلفائهم العلويين ضد حكومة الشرع.

دمشق.. مركز مؤسسات الحكم في سوريا

أصر التنظيم على اختيار العاصمة دمشق وريفها في تنفيذ عملياته، في تغيير لافت لاستراتيجيته، فدمشق مركز مؤسسات الحكم في سوريا، لذلك فإن ضرب الاستقرار فيها يحمل دلالة مختلفة عن أي مدينة أخرى، ويهدف إلى إضعاف الثقة بالسلطات الحكومية الراهنة.

ويرى الباحث عبد الرحمن الحاج أن تنظيم “الدولة” يسعى إلى الاختباء في المدن وإحياء شبكة من مجنديه السابقين أو تجنيد مقاتلين جدد في صفوفه من “الساخطين الجدد” على السلطة من بقايا النظام السابق ومن “الشبيحة” الذين وجدوا أنفسهم فجأة مطاردين وفي هامش المجتمع. كما يسعى لتفكيك دعائم سلطة الشرع، من خلال ضرب الدعم المسيحي.

عداء تاريخي

لتنظيم “الدولة” عداء تاريخي مع الفصائل المقاتلة في سوريا ولا سيما “جبهة النصرة”، وهي نواة “هيئة تحرير الشام” التي قادت معركة “ردع العدوان” وأسقطت نظام الأسد، وقائدها أحمد الشرع (جرى الإعلان عن حل “تحرير الشام” في كانون الثاني 2025). ويتزعم “أبو حفص الهاشمي القرشي” التنظيم، منذ إعلانه “خليفة” في 3 من آب 2023.

طموح بلا أدوات

مع الساعات الأولى لهروب الأسد إلى موسكو، وسقوط نظامه، شنت الطائرات الأمريكية أكثر من 75 غارة جوية وسط سوريا، ضد قادة تنظيم “الدولة” وعملائه ومعسكراته، لمنعه من تنفيذ عمليات خارجية وضمان عدم سعيه إلى الاستفادة من الوضع حينها لإعادة تشكيل صفوفه في وسط سوريا. وزادت التحذيرات من عودة نشاط التنظيم والدعوات لضرورة مكافحته، فكان ملف “مكافحة الإرهاب” حاضرًا على طاولة اللقاءات بين رؤساء ووزراء دول عديدة وشخصيات الحكومة السورية.

وكشف مسؤولون أمريكيون أن الولايات المتحدة شاركت معلومات استخباراتية مع الإدارة السورية الجديدة، أدت إلى إحباط مخطط لتنظيم “الدولة” لتفجير مقام “السيدة زينب”، تبعه اتفاق سوريا مع الأردن والعراق وتركيا ولبنان على إدانة الإرهاب بكل أشكاله، والتعاون في مكافحته عسكريًا وأمنيًا وفكريًا، وإطلاق مركز عمليات مشترك للتنسيق والتعاون في مكافحة تنظيم “الدولة الإسلامية”.

وقال وزير الدفاع السوري، مرهف أبو قصرة، إن خطر تنظيم “الدولة” لا يزال قائمًا في سوريا، وإن الوزارة تواصل العمل لمكافحته بكل الوسائل المتاحة، مشيرًا إلى التنسيق مع وزارة الداخلية، تبعه تحذير من مسؤولين من الأمم المتحدة والولايات المتحدة بأن التنظيم أظهر نشاطًا متجددًا في سوريا واستعاد قوته، واستقطب مقاتلين جددًا وزاد من عدد هجماته، ما يزيد خطر عدم الاستقرار في سوريا.

رغم التراجع.. التنظيم قادر على “إحداث اضطرابات كبيرة”

في ظل الحكومة السورية الجديدة، واصل تنظيم “الدولة” نشاطه كحركة تمرد محدودة النطاق، وأعلن، في 15 من أيار الماضي، مسؤوليته عن تنفيذ 33 هجومًا خلال عام 2025. ويرى المختص في شؤون الجماعات “الجهادية” آرون زيلين أن عمليات التنظيم رغم تراجعها الكبير، لا تزال قادرة على إحداث اضطرابات كبيرة، لا سيما خلال الفترة الانتقالية الحساسة التي تمر بها سوريا.

وفي عام 2024، كان تنظيم “الدولة” ينشط في سوريا، بمعدل 59 هجومًا شهريًا، لكن منذ هروب الأسد، انخفض معدل عملياته بنسبة 80%، ليصل إلى 12 هجومًا شهريًا فقط في المتوسط، وفق تحليل للباحث تشارلز ليستر.

ضعف الدولة والطائفية

يرى الدكتور عزام القصير أن ازدياد نشاط التنظيم يتناسب طردًا مع ضعف أجهزة الدولة وسلطتها، وأن من مصلحة الجميع أن تسير الدولة السورية نحو الاستقرار وأن يعاد بناء الجيش والأجهزة الأمنية بطريقة احترافية لتصبح مؤسسات وطنية بعيدًا عن الفساد والمحسوبية والفئوية. كما يرى الباحث نوار شعبان أن الفراغ الأمني والمؤسساتي والتوترات الطائفية والعوامل الاقتصادية والاجتماعية ووجود خلايا نائمة ودعم خارجي محتمل تهيئ الأرضية لعودة نشاط تنظيم “الدولة” في سوريا.

مرحلة محفوفة بالمخاطر

تمر الدولة السورية في مرحلة انتقالية محفوفة بالمخاطر، فالفوضى الأمنية التي أعقبت السقوط السريع لنظام الأسد أتاحت لبعض الخلايا والمجموعات المتطرفة حرية نسبية للحركة، مستغلة انشغال السلطة بتثبيت حكمها وبناء التحالفات، بحسب ما أكده الدكتور عزام القصير. ويرى الباحث نوّار شعبان أن الحكومة السورية الجديدة لديها إمكانيات مبدئية لكنها تواجه تحديات ضخمة، ويمكن القول إن قدرتها على المواجهة تعتمد على عدة عناصر: الإرادة السياسية، الأجهزة الأمنية الجديدة، التنسيق الدولي، التحديات الطائفية، الوضع الاقتصادي.

ثلاثة سيناريوهات محتملة

يرى الدكتور عزام القصير أن مستقبل التنظيم في سوريا مرتبط بعدد من العوامل، في مقدمتها مدى نجاح السلطة في تثبيت حكمها وتقوية مؤسساتها وحل مشكلاتها العالقة. ويتوقع الباحث نوار شعبان وجود ثلاثة سيناريوهات محتملة لمستقبل تنظيم “الدولة” في سوريا: احتواء التنظيم بشكل تدريجي، عودة النشاط المسلّح بقوة، توظيف التنظيم كورقة ضغط إقليمية.

مشاركة المقال: