الثلاثاء, 1 يوليو 2025 05:48 PM

سوريا: سياسات السلطة الحالية تُنذر بتقويض الدولة وتعميق الانقسامات

سوريا: سياسات السلطة الحالية تُنذر بتقويض الدولة وتعميق الانقسامات

بعد مرور حوالي سبعة أشهر على تولي السلطة الحالية مقاليد الحكم في دمشق، تتضح ملامح الإخفاق في معالجة القضايا الوطنية. فبدلًا من البناء على الخبرات المتراكمة والمخرجات التي تم تطويرها على مدى 14 عامًا، جرى تجاهل أهمية عقد مؤتمر وطني شامل واستبعاد المشاورات مع الجهات السياسية والحقوقية. هذه السياسات تنذر بتقويض بناء الدولة ووأد المواطنة.

إذا استمرت نفس السياسات، ولم تنشط الجهات السياسية والمدنية والحقوقية لانتزاع أدوارها، فإن مآلات المرحلة الحالية والمستقبلية ستكون وخيمة. إن إغلاق باب السياسة وتجميد قانون الأحزاب أدى إلى تسييس أدوار رجال الدين وعملقتها في الفضاء العام، وتحويلهم إلى مفاوضين وناطقين رسميين عن رعاياهم. في المقابل، انصرف المسيسون إلى إصدار البيانات بدلًا من التنافس بالبرامج لتمثيل المواطنين.

هذا المسار يعزز الانتماءات الفرعية ويدعم أدوار طبقة سياسية تتزعم أديانًا وطوائف، وتوظف التنوع نفوذًا سياسيًا ووسيلة لتحصيل المكاسب الاقتصادية. تجارب لبنان والعراق تقدم دروسًا بليغة في تقويض دولة المواطنة، حيث يزيد التطييف من الانقسامات ويغذيها ويديم حدودها، ويُعلي الولاء للجماعة، ويوجه الخلافات إلى صراع طائفي.

لا شك أن إرث الاستبداد وسياسات التفريق السياسي التي اتبعها النظام السابق كان لها أثر كبير في تشظي المجتمعات السورية. ولكن السياسات المركزية التي تتبعها "هيئة تحرير الشام" والفصائل المتحالفة معها في معركة "ردع العدوان" والمشاركة في "مؤتمر النصر" تشكل هاجسًا مقلقًا، حيث لم يقتنع الكثير من السوريين بأن العقلية الحاكمة قد تحولت من عقلية الفصيل إلى "عقلية الدولة". يتجلى ذلك في توزيع المناصب كغنائم حرب، وتفريغ مؤسسات الدولة من الخبرات واستبدالها بالمحسوبين، وغياب الشفافية.

أمنيًا، لا تشير الوقائع إلى أن المعالجات الأمنية للسلطة تحمي حيوات المواطنين من العنف والانتهاكات. فجرائم قتل الشباب وخطف النساء من منبت علوي لا تزال تُرتكب دون أي جهد لوقفها ومحاسبة مرتكبيها. بل إن المسؤولين الرسميين ينكرون ويبررون جرائم الخطف المنظمة، كما ورد في تقرير "رويترز"، حيث بررها مدير العلاقات الإعلامية في محافظة طرطوس، أحمد محمد خير، بأسباب عائلية وشخصية، في استهتار بكرامات النساء واستباحة لحيواتهن. كما يوضح التقرير استهتار أقسام الشرطة وعدم جديتها في حماية المواطنات.

تشير شهادات ووقائع أيضًا إلى تقسيمات أمنية تتبع فيها مناطق لنفوذ ما يدعى بـ"الشيخ"، كسلطة أمر واقع تمسك بزمام الأمور وتقرر دون أي صفة رسمية، مما يمثل بناء "سلطة ظل" بعيدًا عن دولة القانون والمؤسسات. هذا يتطابق مع ما أشار إليه الصحفي نضال معلوف حول "سلطة الظل" ككيان موازٍ لمؤسسات الدولة، حيث بنت "هيئة تحرير الشام" والفصائل المتحالفة معها شبكات موازية لمؤسسات الدولة، مسؤولة عن المناطق، مثل يبرود والنبك، وتضم مسؤولين عن الأمن والإدارة والمالية.

من زاوية أخرى، يظهر صبغ الفضاء العام والمؤسسات بالطابع السلفي المتشدد، ومستويات التمييز ضد السوريين بناءً على الدين، أو على مستوى ونوع التدين المطلوب للتعيين في مراكز مهمة. فقد كشفت صورة لوكالة الأنباء (سانا) مشاركة رئيس المكتب الاستشاري للشؤون الدينية في رئاسة الجمهورية عبد الرحيم عطون في مقابلات لجنة المرشحين لرئاسة الجامعات السورية، مع وزير التعليم العالي د. مروان الحلبي ومعاون الأمين العام لرئاسة الجمهورية لشؤون مجلس الوزراء م. علي كدة، دون ذكر دور عطون وعلاقته كرجل دين في تعيين رؤساء الجامعات، في حين يفترض أن تكون المعايير الأكاديمية من اختصاص وزارة التعليم العالي. وكان عطون يتولى سابقًا منصب رئيس "المجلس الأعلى للإفتاء" في "هيئة تحرير الشام".

هل يمكن تحقيق الاستقرار وبناء الدولة بمسارين متوازيين، رسمي وغير رسمي؟ أم أن هذه خلطة فشل في إدارة بلد متنوع ومنهك، تُخطف نساؤه ويُقتل فقراؤه غدرًا، وتوأد أحلام شعبه في تحقيق العدالة والحرية؟

مشاركة المقال: