الثلاثاء, 1 يوليو 2025 05:00 AM

المقدمات الأدبية: سحر الكلمات يفتح آفاقًا من الإبداع والمعرفة

المقدمات الأدبية: سحر الكلمات يفتح آفاقًا من الإبداع والمعرفة

عندما تتصفح الصفحة الأولى من كتاب أو رواية، قد تشعر بخفة الكلمات، وتترقب السحر الذي يبدعه الكاتب في فاتحة عمله. هذه المقدمة ليست مجرد كلمات تسبق المحتوى، بل هي مرآة تعكس عمق فكر المؤلف، ونافذة تطل على عوالمه، وجسر يعبر بك إلى آفاق جديدة تتشكل من خيوط الكلمات والنظريات.

المقدمات، تلك الكيانات التي يبدعها أصحاب الأقلام، لا تقتصر على التمهيد فحسب، بل تتجاوز ذلك لتصبح بذاتها علمًا يُدرس، ومرجعًا يُحتفى به، وتحمل في طياتها أبعادًا موسوعية وإبداعية قد تقود القارئ إلى آفاق غير متوقعة. وتتنوع أدوارها بحسب الحضارة والتاريخ وذائقة الكاتب، وقد استعرض القراء والكتاب نماذج أذهلتهم بجمالها، وجعلتها تلعب أدوار الروافد الكبرى.

على سبيل المثال، عندما وضع المبدع (ابن خلدون) مقدمة كتابه "العِبر"، تجاوزت حدود التقديم، وقسمها لتكون بمثابة كتاب مستقل، موسوعة من الفكر والتاريخ والاجتماع، وأصبحت مرجعًا موسوعيًا خالدًا إلى اليوم تحت اسم "مقدمة ابن خلدون".

وفي عصور الرواية، كانت مقدمات الأدب الكلاسيكي بمثابة حيازة لأسرار العالم، ودرعًا لمقدمة القصة، فهي تلميح لرحلة عميقة، ونافذة للاطمئنان على مغامرة مقبلة. ومن ذلك، مقدمة رواية (دوستويفسكي) في "الإخوة كارامازوف" التي سردها بنفسه تحت عنوان "إلى القارئ"، كأنهم أصدقاء يتحدثون عن شخوصه وأمراضهم النفسية، كأنه يحضر القارئ لقبول العاصفة الداخلية التي تعصف بأبطال الرواية، ويحذره بعبارات ذكية، بأنه يستطيع أن يترك الرواية من الصفحات الأولى إن لم تعجبه، ومع ذلك، يرشحها النقاد كواحدة من أبدع مآثر الأدب.

يذكر المبدع (ماركيز)، وهو من عرش الأدب، في مقدمة صاغها، أنه تمنى لو أنه من ألف رواية الياباني (ياسانوري كاواباتا) "الجميلات النائمة"، فهي بقصر صفحاتها، كانت كأمل يغرب في القلب، فكتب مقدمة لها انتشرت من خلالها.

وفي ساحات الخيال، ينثر البريطاني (توكلين)، مؤلف "سيد الخواتم"، فاتحته كعنقاء تسرق الأضواء، ويجترح عوالم من الأساطير، حيث تتراقص الأجناس البشرية القزمة الضاربة في العصور الغابرة المجهولة ولكن المتصلة بعصور الشمس الثالثة (عصر الحكاية)، وينفذ بنا من خلال كلمات خيالية، لتسقط على السرد كقطرات من ندى الضياع البعيد، متجذرة في تخيل حالم يدول في أوج الأسطورة ليسحب القارئ بخدر إلى أعماق الرواية.

فكلما كانت فاتحة النص أبهى وأعظم وأعمق، كانت آمال الكاتب أسمى وأهدافه أحب، كي تظل محفورة في ذاكرة المتلقي، وتقوده إلى عالم لا ينتهي من الجمال والمعرفة.

اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية

مشاركة المقال: