الثلاثاء, 1 يوليو 2025 07:32 AM

بورصة دمشق: اختلال التوازن بين العرض والطلب يثير التساؤلات حول مستقبل التداول

بورصة دمشق: اختلال التوازن بين العرض والطلب يثير التساؤلات حول مستقبل التداول

تشهد "سوق دمشق للأوراق المالية" حالة من عدم التوازن بين العرض والطلب، وذلك في أعقاب التحولات السياسية والاقتصادية التي مرت بها سوريا. وقد بدأت هذه الحالة عقب إعادة افتتاح السوق في مطلع شهر حزيران الحالي، بعد توقف استمر لأكثر من ستة أشهر.

أكد وزير المالية السوري، محمد يسر برنية، خلال حفل إعادة افتتاح السوق في 2 حزيران الحالي، أن هذه الخطوة تمثل رسالة إيجابية مفادها أن الاقتصاد السوري قد بدأ في التعافي والتحرك نحو الأمام. واعتبر أن السوق سيكون بمثابة شركة خاصة ومركز حيوي لتطوير الاقتصاد ومواكبة التطورات الرقمية.

يُذكر أن سوق "دمشق للأوراق المالية" قد تأسس بموجب المرسوم التشريعي رقم "55" لعام 2006، ويتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري. وبموجب ذلك، يحق له تملك الأموال المنقولة وغير المنقولة والتصرف بها، واتخاذ جميع الإجراءات القانونية اللازمة لتحقيق أهدافه، بالإضافة إلى حقه في التقاضي.

يهدف السوق إلى تهيئة المناخ المناسب لتسهيل استثمار الأموال وتوظيفها، وتأمين رؤوس الأموال الضرورية لتوسيع النشاط الاقتصادي، وذلك من خلال ترسيخ أسس تداول الأوراق المالية بشكل سليم وواضح وعادل.

عزوف عن البيع.. وإقبال على الشراء

خلال الشهر الأول من إعادة الافتتاح، شهدت "سوق دمشق للأوراق المالية" إقبالًا ملحوظًا من المستثمرين الأفراد على شراء الأسهم المدرجة، مدفوعين بتفاؤل كبير بشأن مستقبل الشركات السورية وعملية إعادة الإعمار، وفقًا للخبير المالي في أسواق الأسهم وصناديق الاستثمار، رامي العطار.

وأشار الخبير المالي، عبر حسابه على موقع "فيسبوك"، إلى أن هذا الإقبال تزامن مع عزوف شبه كامل من قبل المساهمين الحاليين عن البيع، مما أدى إلى جمود شبه تام في التداولات اليومية، وارتفاع كبير في الطلب غير المنفذ، وهو الأمر الذي يهدد باستمرار توقف السوق على الرغم من وجود المشترين.

تعاني السوق حاليًا من نقص حاد في أوامر البيع، وارتفاع في أوامر الشراء دون تنفيذ، وتوقف التداول اليومي الفعلي، وتضرر شركات الوساطة من ضعف العمولات، بالإضافة إلى وجود إرباك في آلية تسعير الأسهم، وذلك بحسب تحليل الخبير المالي.

قبل الأزمة، تأثر أداء سوق "دمشق" بشكل كبير خلال السنوات الماضية نتيجة للأوضاع السياسية والاقتصادية، بالإضافة إلى تأثير العقوبات الغربية المفروضة على سوريا على التداول في البورصة لأسباب تنظيمية وتقنية.

كما أن غياب الشفافية من قبل الشركات والمصارف، واقتصار الاستثمار فيها على شركات وقطاعات محددة، وغياب ثقافة الاستثمار في الأسهم، وشح المعلومات عن هذا القطاع الاقتصادي، كان يؤدي إلى إبعاد المستثمرين عن الاستثمار في بورصة دمشق.

حالة طبيعية

أوضح نائب المدير التنفيذي للسوق، الدكتور سليمان موصلّي، في حديث لـ "عنب بلدي"، أن ما يحدث في "سوق دمشق" من اختلال في توازن العرض والطلب، يمكن النظر إليه من زاويتين، إما سلبية أو إيجابية.

يتمثل الجانب الإيجابي في أن وضع السوق خلال الشهر الأول من العودة للعمل يشير إلى وجود موجة تفاؤل لدى المستثمرين، وهو ما يبشر بأداء اقتصادي جيد في المستقبل. وقد انعكس هذا التفاؤل في رغبة كبيرة لدى الأفراد في الشراء، في حين يوجد عزوف تام عن البيع، وبالتالي فإن النتيجة الطبيعية هي وجود أوامر بيع قليلة وشراء كثيرة، وبالتالي عدد صفقات أقل من المتوقع، وفقًا للدكتور سليمان موصلّي.

ويتأمل نائب مدير "سوق دمشق" دخول شركات جديدة إلى السوق لتعود الصفقات الضخمة وتعود العجلة للدوران.

مجلس إدارة "سوق دمشق للأوراق المالية" يستقبل عدد من الإعلاميين السوريين بدمشق- 4 حزيران 2025 (سوق دمشق)

مقترحات وحلول

اقترح الخبير المالي في أسواق الأسهم وصناديق الاستثمار، رامي العطار، وضع خطة عملية قابلة للتنفيذ لمعالجة الخلل الحاصل في "سوق دمشق"، وإعادة التوازن إلى السوق وضمان استمرارية التداول المنتظم والفعّال.

وأشار العطار إلى جملة من المقترحات القابلة للتطبيق الفوري أو التدريجي، موصيًا بتشكيل لجنة مختصة من هيئة السوق وشركات الوساطة لمتابعة التنفيذ، مع مراجعة الأثر شهريًا لضمان تحقيق التوازن المستدام.

تتمثل المقترحات بما يلي:

  1. تفعيل نظام صانع السوق (Market Maker)، عبر ترخيص مؤسسات مالية أو شركات وساطة للقيام بدور صانع السوق، مع التزامهم بتوفير عروض بيع وشراء دائمة ضمن نطاقات سعرية محددة، وتقديم حوافز تنظيمية ومالية لهذه الجهات.
  2. تحفيز كبار المساهمين على البيع الجزئي المنظم، وذلك عبر التواصل مع المساهمين الرئيسيين (جهات حكومية، مصارف، شركات قابضة) لتوفير جزء من أسهمهم للتداول العام ضمن خطة تدريجية، مع توفير ضمانات بأن البيع لن يؤثر على سيطرتهم الإدارية.
  3. إطلاق آلية المزاد اليومي لتحديد الأسعار، عبر تنظيم جلسات مزاد في بداية أو نهاية كل يوم تداول لتحديد السعر العادل للأسهم من خلال التجميع المفتوح لأوامر الشراء والبيع، تشجع هذه الآلية البائعين على الانكشاف على السوق بناء على تحركات سعرية واقعية.
  4. تسهيل الصفقات المسبقة (Pre-Arranged Trades)، وذلك من خلال السماح للوسطاء بترتيب صفقات بيع وشراء متفاوض عليها مسبقًا بين الأطراف، ثم تسجيلها بشكل رسمي ضمن جلسات السوق.
  5. تعديل الحدود السعرية اليومية بشكل مؤقت و توسيع النطاق السعري المسموح به يوميًا (مثلًا ±10%) لتحفيز بعض المساهمين على البيع عند ارتفاع الأسعار.
  6. تنفيذ حملات توعية مالية موجهة للمساهمين، تهدف إلى تثقيف المستثمرين حول أهمية جني الأرباح، إعادة التوازن إلى المحافظ، وتنويع الاستثمارات، والتأكيد على أن البيع الجزئي لا يعني فقدان الثقة، بل هو سلوك استثماري رشيد.
  7. إطلاق صناديق مؤشرات (Index Funds أو ETFs)، أي إنشاء صناديق تتبع مؤشرات السوق تقوم بشراء وبيع الأسهم بشكل مستمر، ما يعزز التداول والسيولة.

من فعالية افتتاح "سوق دمشق للأوراق المالية"- 2 حزيران 2025 (سانا)

تعويل على المال الأجنبي

من المرجّح أن يشهد سوق "دمشق للأوراق المالية" إقبالًا متزايدًا، وفق ما يرى عضو نقابة الاقتصاديين حسام أبو عمر، إلا أن هناك تحديات تتعلق بمستوى وعي المستثمرين المحليين وثقافتهم فيما يخص أهمية التداول في الأسواق المالية والعوائد المحتملة، لذلك، يُعوّل بشكل كبير على رأس المال الأجنبي، وكذلك على المستثمرين من أبناء الجالية السورية في الخارج، للمساهمة في تنشيط هذا السوق.

وأضاف حسام أبو عمر، في حديث سابق لـ "عنب بلدي"، أنه في الوقت الراهن يصعب تقديم تقديرات دقيقة لحجم الاستثمارات المتوقعة، خاصة على المدى القريب، إلا أن المؤشرات الأولية تعكس مناخًا واعدًا يستدعي العمل على رفع الوعي الاستثماري لدى المواطنين، وتوفير بيئة تنظيمية شفافة وآمنة لضمان استدامة النمو في هذا القطاع الحيوي.

اقرأ أيضًا: خطوات لتجاوز البيروقراطية في سوق "دمشق للأوراق المالية"

مشاركة المقال: