الأحد, 6 يوليو 2025 10:17 PM

دير الزور: اعتقال بسبب منشور ينتقد النفوذ العشائري وقمع الاحتجاجات الصامتة

دير الزور: اعتقال بسبب منشور ينتقد النفوذ العشائري وقمع الاحتجاجات الصامتة

في حادثة أثارت استياءً واسعًا في دير الزور، اعتقلت الأجهزة الأمنية الشاب مصطفى المنديل، على خلفية منشور له على فيسبوك ينتقد فيه ما وصفه بـ "الهيمنة العشائرية" على الإدارة المحلية والأمنية والعسكرية. أفادت مصادر خاصة بأن عناصر من جهاز الأمن العام اقتحمت منزل ذويه دون مذكرة قضائية، ولا يزال مصيره مجهولًا رغم المناشدات العائلية والحقوقية.

يرفض الأمن الإدلاء بأي تصريح، مما يؤكد استمرار الإخفاء القسري لقمع الأصوات الناقدة.

النفوذ العشائري: سلطة موازية

تشهد دير الزور تزايد نفوذ العشائر، خاصةً من بلدة الشحيل، منذ سقوط النظام. هذا النفوذ يمتد إلى الإدارة المدنية والمؤسسات العسكرية والأمنية، حيث تُتهم هذه الفئات بفرض شخصيات محسوبة عليها في مناصب حساسة دون اعتبار للكفاءة، مستفيدة من الولاءات السابقة لعلاقاتها المرتبطة بالهيئة في إدلب.

أكدت مصادر من دير الزور، فضلت عدم الكشف عن هويتها، أنه تم جلب نمط إداري يعتمد على المحاصصة والمحسوبيات، مما أدى إلى تفكك مفهوم الدولة وتحول أجهزة الحكم إلى واجهة شكلية لسلطة غير رسمية.

محاصرة الأصوات المعارضة

تتألف السلطة المحلية في دير الزور من شبكة معقدة من القرابة والمحسوبيات، حيث يعارض معظم المسؤولين أي انتقاد للخلل البنيوي في السلطة. يتعرض كل من ينتقد التغلغل العشائري والفساد لهجوم ممنهج من مسؤولي السلطة وناشطين محسوبين عليهم.

يصف بعض الناشطين هذه الحملات بأنها هجوم من "المنصورين الشرعيين" الذين يستخدمون نفوذهم الرسمي والقبلي للحفاظ على مصالحهم، بما في ذلك تشويه سمعة المنتقدين.

العنصرية كسلاح لإسكات المنتقدين

تُواجه الأصوات المعترضة على التمدد العشائري باتهامات جاهزة بالعنصرية ضد أبناء العشائر، خاصةً من الريف الشرقي. هذا الاستخدام السياسي للهوية الاجتماعية يحول النقاش حول الكفاءة والمساءلة إلى صراع هويات مزيف، يهدف إلى نزع الشرعية عن أي معارضة حقيقية للفساد والإقصاء.

سلوك متعالٍ

يزيد التوتر في المدينة السلوك الفوقي لبعض العناصر الأمنية والمسؤولين المحليين، الذين أعادوا إنتاج عقلية الاستعلاء التي مارستها أجهزة السلطة المركزية قبل الثورة، ولكن بغطاء عشائري أو فصائلي.

يقول أحد الناشطين المحليين: "الناس لم يعودوا يحتملون. كل شيء قائم على الولاء، لا قانون ولا عدالة." يشعر أبناء المدينة الأصليين بالتهميش، بعدما باتت القرارات تُتخذ من خارج المدينة، ويتحدث البعض عن أن عناصر الأمن والعسكر المنتشرين في الشوارع باتوا مصدر توتر دائم.

احتجاجات صامتة ومبادرات خجولة

رغم المخاطر، يتصاعد الاحتقان الشعبي. سبق اعتقال مصطفى المنديل تحركات شبابية عفوية ومبادرات محلية للتعبير عن الرفض الشعبي لهذا الواقع. دعت إحدى هذه المبادرات إلى الاحتجاج السلمي، نتيجة لما وصفه أحد الأهالي بـ "الاختناق اليومي" بسبب نقص الخدمات وغياب الخبز وسلوك السلطة الذي يعيد أخطاء الماضي.

دير الزور بين سلطتين

تجد دير الزور نفسها أسيرة سلطتين: سلطة أمنية تدير الأمور بعقلية القبضة الحديدية، وسلطة عشائرية فرضت نفسها على مفاصل القرار دون ضوابط أو رقابة. وبينما تُخنق الأصوات المطالِبة بدولة قانون، تُستخدم تهم "العنصرية ضد الريف" لإسكات أي دعوة للإصلاح أو المحاسبة.

اعتقال مصطفى المنديل ليس حادثة فردية، بل مؤشر على تآكل الحريات العامة واستمرار سياسة "إسكات الصوت الآخر" في بيئة تعاني أصلًا من هشاشة اقتصادية واجتماعية وأمنية. إلى متى ستظل دير الزور رهينة للصراعات غير المعلنة؟ ومتى تبدأ العدالة بالكلام بدلًا من الولاءات؟

مشاركة المقال: