في عالم يعتمد على إشارات الفضاء في تسيير الحروب والتجارة والحياة اليومية، أصبح نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) وغيره من أنظمة الملاحة العالمية عبر الأقمار الصناعية (GNSS) شرياناً حيوياً في البنية التحتية للأمن والاقتصاد العالميين، وذلك بحسب سُكينة السمرة.
منذ إطلاقه، أحدث نظام (GPS) ثورة في طريقة تسيير الجيوش وتحرك الأساطيل وتوجيه الصواريخ وتنسيق العمليات اللوجستية، ليصبح عنصراً أساسياً في ساحات المعارك وأروقة الشركات. ومع ذلك، فإن الاعتماد المتزايد على الإشارات الفضائية جعل هذه الأنظمة هدفاً لتقنيات الحرب الإلكترونية، التي تهدد بتزييف المواقع وشل قدرة الخصوم.
ما هو (GPS) وما دوره؟
نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) هو شبكة من الأقمار الصناعية الأميركية توفر معلومات دقيقة عن الموقع والوقت في جميع الظروف الجوية. أطلقت الولايات المتحدة تقنية (GPS) في تسعينيات القرن الماضي، ثم طورت دول أخرى أنظمتها الخاصة مثل نظام غاليليو الأوروبي، ونظام غلوناس الروسي، ونظام بيدو الصيني.
أحدثت أنظمة (GNSS) ونظام (GPS) ثورة في العمليات العسكرية حول العالم، وأصبحت ضرورة لاستراتيجيات الحرب الحديثة واتخاذ القرارات التكتيكية. تعتمد القوات العسكرية على هذه التقنية في كل شيء، بدءاً من توجيه الضربات الدقيقة وصولاً إلى تنسيق تحركات القوات، مما يوفر مزايا غير مسبوقة في الوعي الظرفي والكفاءة التشغيلية. وقد صارت جزءاً لا يتجزأ من العمليات العسكرية، وتمثل رصيداً استراتيجياً ونقطة ضعف محتملة.
السياق العسكري والتجاري
لطالما كان تعزيز نظام (GPS) أولوية لوزارة الدفاع الأميركية، حيث سعت إلى تحديث أنظمة مقاومة للتشويش والخداع. ومؤخراً، تصاعدت حوادث تشويش نظام (GPS) خلال الحرب على إيران، مما أثر على أنظمة الملاحة لما يقرب من 1000 سفينة يوميًا في الخليج العربي وخليج عُمان، وفقاً لمركز التعاون والتوعية البحرية في فرنسا. واستمر التشويش خلال الحرب التي استمرت 12 يوماً لتعطيل العمليات العسكرية وحماية المواقع الحساسة.
في 17 يونيو/حزيران، اصطدمت ناقلتا نفط في خليج عُمان ليلاً، ويجري التحقيق في تشويش نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) كسبب محتمل لخطأ الملاحة. دفعت المخاطر الملاحية المتزايدة شركات الشحن إلى اتخاذ احتياطات أمنية إضافية، مثل تجنب المرور ليلاً. باختصار، تمكن صراع إقليمي من تعطيل النقل التجاري عبر ممر حيوي لشحن الطاقة لمدة أسبوعين دون إطلاق ذخيرة واحدة على السفن.
ما الفرق بين التشويش والتلاعب؟
نقلت حرب أوكرانيا – روسيا الحرب الإلكترونية إلى مستوى جديد، مع استخدام كلا الجانبين لتقنيات التشويش والخداع.
يحدث التشويش على نظام (GPS) عندما تُغمر أجهزة استقباله بإشارات مجهولة، عن طريق إغراق موجات (GPS) بموجات مشابهة لها أو عبر موجات أقوى بالتردد.
أما انتحال نظام (GPS) فهو أكثر خطورة، إذ يُرسل إشارة متشابهة تقوم أجهزة الاستقبال بفك تشفيرها للإشارة إلى موقع أو وقت غير صحيح. تُعد تقنية التلاعب أكثر خطورة ودهاءً من التشويش، إذ تعتمد على إرسال إشارات كاذبة تُشبه الإشارات الحقيقية، لكنها تحمل بيانات مغلوطة تُضلل الطائرات المسيرة مثلاً وتدفعها إلى الانحراف عن مسارها.
وعلى عكس التشويش، الذي يعطل عملية استقبال الإشارات ويمنع فك شيفرتها بدقة، فإن التلاعب يُخدع الأجهزة عبر محاكاة دقيقة للإشارة الأصلية، ما يجعله أكثر تعقيداً وفعالية في التضليل.
لا تُشكّل تقنيات انتحال (GPS) مخاطر جيوسياسية فحسب، بل مخاطر تجارية أيضاً، إذ قد يُؤدي عطل في النظام إلى انقطاعات تشغيلية وزيادة التكاليف في قطاعات تشمل الشحن والاتصالات والتمويل.
مع التقدم التكنولوجي، أصبح اعتمادنا على الأقمار الصناعية جزءاً لا يتجزأ، من التنقل إلى توجيه الصواريخ إلى تحويل الأموال. غير أن هذا الاعتماد المكثّف يطرح سؤالاً جوهرياً: هل نحن مستعدون فعلاً لمواجهة لحظة تتوقف فيها هذه الأنظمة عن العمل؟
أخبار سوريا الوطن١-النهار