في خضم التنافس العالمي المحموم لتعزيز الاقتصاد الرقمي، تبرز الدول العربية كلاعب رئيسي في تطوير البنية التحتية الرقمية، مدفوعة بطموحات كبيرة واستثمارات متزايدة. تتسابق دول مثل الإمارات العربية المتحدة ومصر والمملكة العربية السعودية وعُمان لإنشاء مراكز بيانات متطورة قادرة على تلبية الطلب المتزايد على الخدمات السحابية والذكاء الاصطناعي.
يُعد مشروع "ستارغيت" الإماراتي، الذي تصدر العناوين مؤخرًا، مثالًا بارزًا على هذا التحول الاستراتيجي، ولكنه ليس المشروع الوحيد. فالمنطقة بأسرها تعيد رسم موقعها على الخريطة الرقمية العالمية، بالاعتماد على مشاريع ضخمة وسياسات وطنية طموحة وبيئة استثمارية ديناميكية.
صحيح أن مشروع "ستارغيت" في الإمارات العربية المتحدة استحوذ على الاهتمام، إلا أنه جزء من سلسلة مشاريع متنامية في الشرق الأوسط وأفريقيا، حيث تسعى المنطقتان إلى تثبيت أقدامهما كلاعبين مؤثرين في مجال البنية التحتية الرقمية.
تتصدر الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية الدول الأكثر نشاطًا في إنشاء مراكز البيانات، حيث تمتلكان حاليًا 56 و43 مركزًا على التوالي، وفقًا لإحصاء "Data Center Map". كما سجلت دول أخرى مثل عُمان ومصر وقطر تقدمًا ملحوظًا، بوجود 15 و14 و11 مركزًا على التوالي.
وفي هذا السياق، صرح سيباستيان بونو، من شركة "McDermott Will & Emery" لموقع "فيرس" بأن هناك العديد من المنافسين الآخرين الذين يعملون بصمت كمراكز بيانات ناشئة. وأشار إلى مصر كمثال رئيسي، مسلطًا الضوء على كينيا والمغرب والبحرين وعُمان كمناطق تشهد نشاطًا متزايدًا.
وأضاف: "هناك الكثير من الفرص في المنطقة. إن القدرة على توفير بنية تحتية رقمية ذات أداء جيد أمر بالغ الأهمية لقدرة هذه الدول على جذب الشركات والنمو، بالإضافة إلى تميزها على جيرانها."
مصر: تجربة واعدة
على غرار المملكة العربية السعودية، وضعت الحكومة المصرية أهداف رؤية 2030 للبلاد، والتي تدعو، من بين أمور أخرى، إلى جذب استثمارات مراكز البيانات وجعل مصر "مركزًا إقليميًا" لتبادل البيانات والذكاء الاصطناعي.
تمتلك مصر حاليًا حوالي 14 مركز بيانات، وفقًا لخريطة المركز، ولكن هناك جهودًا جارية لزيادة هذا العدد، بالإضافة إلى زيادة سعة الحوسبة.
في ديسمبر/كانون الأول 2024، حصلت شركة راية لمراكز البيانات، الشركة المحلية الرائدة في هذا المجال، على تمويل بقيمة 15 مليون دولار من مجموعة أفريقيا 50 للاستثمار في البنية التحتية، لدعم تطوير مركز بيانات جديد في مصر.
في غضون ذلك، تواصل الحكومة المضي قدمًا في مشروع "أطلس". ووفقًا لوسائل الإعلام الرسمية، يهدف هذا المشروع إلى "إنشاء مجمع عالمي لمراكز البيانات يعمل بالطاقة المتجددة".
وصف بونو مشروع أطلس بأنه "مشروع ضخم"، وقال إن "مشروعًا ضخمًا كهذا لمركز البيانات في مصر قد يتيح فرصًا لتعزيز ربط المنطقة بأوروبا".
وأوضح أن إحدى العقبات الرئيسية التي تبطئ تطوير مراكز البيانات في وسط أفريقيا تتمثل في صعوبة توفير الطاقة والاتصال والطلب اللازم لدعم مثل هذه المشاريع. وقال: "لهذا السبب تُعد التجربة المصرية مثيرة للاهتمام".
الدول العربية تشعل المنافسة
عند سؤاله عن الأماكن الأخرى التي شهد فيها نشاط مراكز البيانات، أشار بونو إلى النمو في المغرب وكينيا. وقال إن الأخيرة مثيرة للاهتمام بشكل خاص لأنها توفر الطاقة من خلال سدودها الكهرومائية التي تولد طاقة أرخص وأنظف.
في الشرق الأوسط، سُلّط الضوء أيضًا على مشروع جديد يُدعى "Qareeb Data Centres"، الذي يُنشئ 50 ميغاوات من سعة الحوسبة الموزعة في المملكة العربية السعودية والبحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة وعُمان والكويت ومصر والأردن.
يتضح أن المنافسة على الريادة الرقمية في الشرق الأوسط وأفريقيا دخلت مرحلة جديدة من النضج والطموح، إذ لم تعد مراكز البيانات مجرد بنى تحتية تقنية، بل باتت أدوات سيادية واستراتيجية لرسم ملامح اقتصادات الغد في العالم العربي.
(من الممكن الاطلاع على الخريطة عبر زيارة https://www.datacentermap.com/middle-east/)
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار