الأحد, 20 يوليو 2025 04:03 PM

مليارات الدولارات المعلنة: هل تنجح مذكرات التفاهم في إنعاش الاقتصاد السوري؟

مليارات الدولارات المعلنة: هل تنجح مذكرات التفاهم في إنعاش الاقتصاد السوري؟

أعلن البنك الدولي عن توقعات متواضعة لنمو الناتج المحلي الإجمالي لسوريا بنسبة 1% في عام 2025، وذلك بعد انكماش بنسبة 1.5% في عام 2024، وفقًا لـ ملهم الجزماتي. تعكس هذه التوقعات الحذرة شكوكًا حول قدرة الاقتصاد السوري على التعافي السريع، على الرغم من التصريحات المتفائلة من وزراء الحكومة السورية بشأن نسب نمو أعلى، خاصة بعد الإعلان عن استثمارات جديدة في قطاعات اقتصادية مختلفة.

لكن بالنظر إلى هذه الاستثمارات المعلنة، نجد أن معظمها عبارة عن "مذكرات تفاهم". من الضروري التمييز بين مذكرة التفاهم والاتفاقية الملزمة قانونًا. فمذكرة التفاهم لا تتمتع بقوة قانونية قاطعة، وعادة ما تكون قابلة للتفسير وتهدف إلى تنفيذ التفاهم والتبادل. أما الاتفاقية، فعادة ما تكون لها قوة قانونية قاطعة وتخضع للعقود والقوانين، وتحدد التزامات واضحة ومواعيد محددة للتنفيذ وآليات المتابعة والمساءلة.

سلسلة "مذكرات التفاهم"

منذ كانون الأول 2024، تتسارع وتيرة توقيع ما تسميه الحكومة السورية "اتفاقيات استثمارية" مع شركات عالمية وإقليمية. الأرقام المعلنة مذهلة، حيث تجاوزت 20 مليار دولار من الاستثمارات والمساعدات الدولية خلال ستة أشهر فقط. لكن التدقيق في طبيعة هذه "الاتفاقيات" يكشف أن الغالبية العظمى منها عبارة عن مذكرات تفاهم تعبر فقط عن نوايا التعاون، دون التزامات قانونية واضحة أو جداول تنفيذ محددة.

في أيار 2025، وقعت شركة "موانئ دبي العالمية" "مذكرة تفاهم" بقيمة 800 مليون دولار مع الحكومة السورية لتطوير وإدارة وتشغيل محطة متعددة الوظائف في ميناء طرطوس. وقبل ذلك، وقعت شركة الشحن الفرنسية "CMA CGM" اتفاقية امتياز لمدة 30 عامًا بقيمة 260 مليون دولار لإدارة ميناء اللاذقية. وتعتبر هذه الاتفاقية الأخيرة من الاتفاقيات القليلة التي تحمل طابعًا ملزمًا نسبيًا، كونها اتفاقية امتياز محددة المدة والشروط.

في 30 حزيران 2025، أعلنت الحكومة السورية عن توقيع مجموعة من "مذكرات التفاهم" مع تحالف دولي يضم شركات من الولايات المتحدة وقطر وتركيا، بقيمة إجمالية تصل إلى 7 مليارات دولار في قطاع الطاقة. وقد حضر المراسم الرئيس السوري أحمد الشرع والمبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا توماس باراك، في مشهد يوحي بأهمية استثنائية للحدث. ووصف وزير الطاقة السوري محمد البشير هذه المذكرات بأنها "أكبر مشروع من نوعه في تاريخ سوريا الحديث"، مشيرًا إلى خطط لإنشاء أربع محطات غازية ومحطة طاقة شمسية بقدرة إجمالية تبلغ 7000 ميغاواط.

لكن شركة "UCC Holding" القطرية، التي تم تسليط الضوء عليها كأكبر مستثمر بقيمة 7 مليارات دولار، لم تقدم أي التزامات قانونية ملزمة أو جداول زمنية محددة للتنفيذ. تتضمن المذكرة خططًا لبناء أربع محطات طاقة تعمل بالغاز ومحطة طاقة شمسية، لكن دون تحديد مواعيد بدء العمل أو آليات التمويل الفعلية.

في 7 تموز 2025، وقعت وزارة السياحة السورية مذكرة تفاهم مع مجموعة "إنفنتشر" بقيمة 8 مليارات دولار لإطلاق مشاريع تنموية وسياحية كبرى في سوريا. جرت المراسم بحضور رسمي رفيع المستوى، وتم الترويج للحدث كإنجاز اقتصادي كبير للحكومة الجديدة. لكن الحقيقة أن هذه الوثيقة، مثل العشرات من "الاتفاقيات" الأخرى التي وقعتها دمشق منذ سقوط نظام بشار الأسد، ليست سوى مذكرة تفاهم غير ملزمة قانونيًا.

يمثل مشروع "بوابة دمشق" مثالًا صارخًا على الفجوة بين الإعلانات الرنانة والواقع القانوني. في مراسم رسمية بحضور الرئيس أحمد الشرع وعدد من الوزراء والفنانين، أعلنت وزارة الإعلام السورية عن توقيع مذكرة تفاهم مع شركة "المها الدولية" للمنتج الكويتي محمد سامي العنزي، لإنشاء مدينة للإنتاج الإعلامي بقيمة تقدر بأكثر من 1.5 مليار دولار. ووصف وزير الإعلام حمزة المصطفى المشروع بأنه "أول مدينة إنتاج إعلامي وسينمائي وسياحي متكاملة في سوريا"، مشيرًا إلى أن المدينة ستقام على مساحة تقارب مليوني متر مربع وستوفر أكثر من 4 آلاف فرصة عمل مباشرة.

لكن رئيس مجلس إدارة "المها الدولية" محمد العنزي كشف أن "المشروع يحتاج ما بين خمس إلى سبع سنوات لإنجازه بالكامل" دون تحديد موعد لبدء التنفيذ. هذا التصريح يؤكد أن المذكرة لا تتضمن التزامات زمنية محددة، وأن التنفيذ مرهون بعوامل مستقبلية غير واضحة.

أيضًا على الصعيد الدولي، وضع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي خطة مدتها ثلاث سنوات بقيمة 1.3 مليار دولار لإعادة بناء البنية التحتية وإطلاق شبكة حماية اجتماعية ودعم الشركات الناشئة الرقمية. يختلف هذا البرنامج عن مذكرات التفاهم الأخرى كونه يأتي من منظمة دولية معترف بها وله آليات تمويل واضحة، لكنه يبقى مشروطًا بالاستقرار السياسي والأمني في البلاد.

تعهد المانحون الأوروبيون في "مؤتمر بروكسل" في آذار 2025 بتخصيص 6.5 مليار دولار لإعادة إعمار سوريا. جاء هذا التعهد في إطار مؤتمر دولي رسمي، لكنه ظل مرتبطًا بشروط سياسية وحقوقية قد تؤثر على آليات الصرف والتنفيذ.

صخب إعلامي كبير

يثير حضور الرئيس السوري أحمد الشرع شخصيًا لمراسم توقيع مذكرات التفاهم تساؤلات حول البروتوكول المناسب لمثل هذه المناسبات. فبينما تحتاج الاتفاقيات الملزمة والمعاهدات الدولية إلى حضور رئاسي لإضفاء الطابع الرسمي عليها، تبقى مذكرات التفاهم مجرد إعلانات نوايا لا تحمل أي التزامات قانونية. هذا التعامل مع المذكرات كأحداث رئاسية يخلق توقعات مضللة لدى الرأي العام حول طبيعة هذه الاتفاقيات وإمكانية تنفيذها.

تؤكد التجربة السورية السابقة هذه المخاوف، حيث شهدت البلاد توقيع العشرات من مذكرات التفاهم خلال مؤتمرات الاستثمار السابقة، بما في ذلك مؤتمر الاستثمار الخليجي عام 2008 في دمشق، والذي حضره وزراء ومستثمرون رفيعو المستوى. لكن معظم هذه المذكرات بقيت حبرًا على ورق ولم تتحول إلى مشاريع فعلية، مما يطرح تساؤلات حول جدوى الاستثمار في الطقوس الرسمية لتوقيع وثائق غير ملزمة.

الخطر في هذا النهج أنه يحول مؤسسة الرئاسة إلى أداة ترويجية لمشاريع قد لا ترى النور أبدًا، مما يضر بمصداقية الدولة ويخلق فجوة بين الوعود الرسمية والواقع على الأرض. كما أن الإفراط في استخدام الحضور الرئاسي لمناسبات غير ملزمة يقلل من وقع وأهمية الأحداث التي تستحق فعلًا هذا المستوى من الاهتمام الرسمي.

لماذا لا يتم توقيع اتفاقيات؟

يواجه النظام المالي السوري تحديات هائلة تعيق النشاط الاقتصادي وإعادة الإعمار. تحد العقوبات الدولية وصعوبة الوصول إلى النظام المصرفي العالمي من قدرة سوريا على جذب الاستثمارات الأجنبية وتنفيذ المشاريع الكبيرة. ورغم رفع بعض العقوبات مؤخرًا، فإن الأصول المجمدة والقيود المصرفية لا تزال تشكل عوائق كبيرة.

يزيد ضعف الإطار القانوني والمؤسسي من المخاطر المرتبطة بالاستثمار في سوريا. إن عدم وضوح الآليات لتحويل مذكرات التفاهم إلى اتفاقيات ملزمة ونقص الشفافية في عمليات التوقيع والمتابعة يجعل المستثمرين يترددون في الالتزام بمشاريع طويلة الأجل.

يظهر الواقع على الأرض أن معظم المشاريع المعلنة لم تبدأ بعد، وأن الشركات الموقعة على مذكرات التفاهم لم تقدم التزامات مالية فعلية أو جداول زمنية محددة للتنفيذ. وحتى المشاريع التي حددت مددًا زمنية، مثل مشروع "بوابة دمشق" الذي يحتاج من خمس إلى سبع سنوات، لم تحدد مواعيد بدء العمل أو مصادر التمويل الفعلية.

تبدو الحكومة السورية تواجه ضغوطًا كبيرة لإظهار إنجازات اقتصادية سريعة لتعزيز شرعيتها وكسب ثقة الشعب السوري والمجتمع الدولي. قد يدفعها هذا الضغط إلى المبالغة في أهمية مذكرات التفاهم وتقديمها كإنجازات حقيقية، رغم عدم وجود ضمانات لتنفيذها.

على الجانب الآخر، يتعامل المستثمرون الأجانب بحذر شديد مع الوضع في سوريا. فرغم الفرص الاستثمارية الكبيرة المحتملة، فإن المخاطر السياسية والأمنية والقانونية تجعل معظم الشركات تفضل توقيع مذكرات تفاهم غير ملزمة كخطوة أولى، مع إمكانية الانسحاب إذا لم تتحسن الظروف.

تظهر الشركات الإقليمية، خاصة الخليجية، اهتمامًا أكبر بالاستثمار في سوريا مقارنة بالشركات الغربية. هذا الاهتمام مدفوع بعوامل جيوسياسية واقتصادية، لكنه يبقى محدودًا بالمخاطر المرتبطة بعدم الاستقرار والعقوبات الدولية.

ما الحل؟

تبقى الحاجة إلى إطار قانوني واضح وشفاف لتحويل مذكرات التفاهم إلى اتفاقيات ملزمة أولوية قصوى. فبدون هذا الإطار، ستبقى معظم المذكرات الموقعة مجرد نوايا حسنة لا تترجم إلى استثمارات فعلية أو مشاريع تنموية حقيقية.

تبقى التحديات الأمنية عائقًا كبيرًا أمام تنفيذ أي مشاريع استثمارية. يخلق عدم الاستقرار الأمني في بعض المناطق والتوترات المتواصلة خاصة بعد سقوط النظام بيئة غير مناسبة للاستثمار طويل الأجل.

في النهاية، تبقى مذكرات التفاهم التي توقعها الحكومة السورية مجرد خطوة أولى في رحلة طويلة نحو التعافي الاقتصادي. يتطلب النجاح في تحويل هذه المذكرات إلى استثمارات فعلية استقرارًا سياسيًا وأمنيًا، وإطارًا قانونيًا واضحًا، وشفافية في التعامل مع المستثمرين، وقبل كل شيء، إرادة سياسية حقيقية لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والمؤسسية اللازمة.

مشاركة المقال: