الإثنين, 14 يوليو 2025 12:20 AM

الهيئة الوطنية للمفقودين تباشر عملها بالتشاور مع ذوي الضحايا في سوريا

الهيئة الوطنية للمفقودين تباشر عملها بالتشاور مع ذوي الضحايا في سوريا

عنب بلدي – عمر علاء الدين – خلال جلسة تشاورية عقدتها “الهيئة الوطنية للمفقودين” في دمشق بحضور عنب بلدي في 5 تموز الحالي، تحدثت مها سلطان محمد عن والدها المعتقل منذ عام 2013، وشقيقيها المعتقلين في عام 2014، بالإضافة إلى ستة من أبناء أعمامها المعتقلين. شاركت مها في الجلسة بهدف إيصال صوتها إلى كل من يستطيع المساعدة في قضية والدها وشقيقيها والتحقق من مصيرهم.

شارك في الجلسة العديد من ذوي الضحايا والمفقودين والمغيبين قسرًا، وأدارها الدكتور جلال نوفل، عضو الفريق الاستشاري في “الهيئة الوطنية للمفقودين”. وشدد المشاركون على ضرورة تحقيق العدالة ومحاسبة المتورطين في الإخفاء القسري لأكثر من 100 ألف شخص خلال الحرب في سوريا، وفقًا لتقديرات عدد من المنظمات المهتمة بهذا الشأن، وعلى رأسها الآلية الأممية المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا.

أوضحت مها لعنب بلدي أنها شاركت في جميع الفعاليات المطالبة بالعدالة وكشف مصير المفقودين بعد التحرير (سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول 2024). وتحاول مها أن تتقبل فكرة أن ذويها المفقودين قد فارقوا الحياة بعد ستة أشهر من سقوط النظام، لكنها تتساءل: “في حال وفاتهم، أين رفاتهم؟ أين المتورطون بإخفائهم؟ وهل ستتم محاسبتهم؟”.

كما طالبت بالشفافية والمحاسبة، معربة عن شكرها لـ”الهيئة” لإشراكها أهالي المفقودين والمعتقلين والمغيبين قسرًا في أنشطتها وإنجازاتها. وأضافت: “باعتبارنا أصحاب الحق في المطالبة، يمكن بناء تدخل كامل على مستوى سوريا بناءً على توصيات ومداخلات ذوي الضحايا”. وأشادت مها بهذه الخطوة، معربة عن أملها في أن تشارك “الهيئة الوطنية للمفقودين” جميع إنجازاتها مع أهالي الضحايا.

بوصلة العمل

من جهتها، قالت زينة شهلا، عضو الفريق الاستشاري في “الهيئة الوطنية للمفقودين” ومستشارتها الإعلامية، إن عائلات المفقودين والمفقودات هم بوصلة عمل “الهيئة” وصلبها، مشيرة إلى أنه لا يمكن لـ”الهيئة” القيام بأي خطوة دون الرجوع إلى العائلات والتعرف إلى احتياجاتهم ومطالبهم وتوقعاتهم والأشياء التي ينتظرونها من “الهيئة الوطنية للمفقودين”.

وفي حديث إلى عنب بلدي، شددت شهلا على أهمية توضيح ما تقوم به “الهيئة” في المرحلة المقبلة من أنشطة وإنجازات، وتوضيح أساليب التواصل والإبلاغ عن الحالات. وأكدت أن “الهيئة” تعمل “بشكل مهني وعلمي”، على الرغم من أن هذا الملف يحمل شحنة إنسانية وعاطفية.

وبحسب شهلا، فإن “الهيئة الوطنية للمفقودين” معنية بالبحث عن جميع المفقودين من السوريين وغير السوريين داخل سوريا، والمفقودين السوريين خارجها. كما ستتعاون “الهيئة” مع جميع الهيئات والكيانات الدولية أو المحلية الحكومية وغير الحكومية التي تستطيع تقديم أي نوع من الدعم، سواء قواعد بيانات أو دعم بالتوثيق، والدعم التقني المتعلق بالكشف عن الحمض النووي وغيره، وكل ذلك تحت سيادة الدولة السورية.

وترى المستشارة الإعلامية أنه من الصعب وضع جدول زمني لخطة البحث عن المفقودين والمفقودات، مشيرة إلى أنه بالنظر إلى تجارب دول أخرى، بقي ملف المفقودين مفتوحًا لـ 30 أو 40 عامًا في بعض الحالات. وأعربت عن أملها في أن تصل “الهيئة” إلى جميع الإجابات حول المفقودين في أسرع وقت، إلا أنها وصفت هذا الأمر بـ “غير المنطقي”.

وأضافت: “نتحدث عن مئات آلاف المفقودين وكمية هائلة من البيانات والوثائق والأماكن التي يجب البحث فيها، إضافة إلى خبرات تقنية ليست موجودة بالكامل في سوريا”.

وعند سؤالها عن العدد الحقيقي للمفقودين في سوريا إذا وصلت “الهيئة” إلى عدد حقيقي، ذكرت شهلا أن أي جهة لا تملك معلومات عن العدد الحقيقي للمفقودين في سوريا، خصوصًا أن حالات الإبلاغ عن مفقودين في تزايد مستمر، إذ إن هناك عائلات لم تقم سابقًا بالإبلاغ عن مفقوديها لأسباب أمنية وسياسية، وباتت تبلغ اليوم.

مشاورات الهيئة الوطنية للمفقودين مع ذوي الضحايا تهدف لخلق مساحات آمنة للبوح عن مخاوفهم – 5 تموز 2025 (عنب بلدي/عمر علاء الدين)

ثوابت لا حياد عنها

وصف رئيس “الهيئة الوطنية للمفقودين”، محمد رضا جلخي، في كلمة له خلال الجلسة التشاورية مع أهالي الضحايا، مهمة البحث عن المفقودين بـ “الكبيرة والمعقدة”.

وأشار جلخي إلى أن هذه المهمة لا يمكن إنجازها إلا بالصبر، وبالثقة المتبادلة، وبدعم من الجميع، العائلات والحكومة والمجتمع المدني والشركاء الدوليين، قائلًا: “نحتاج إلى وقت وإلى موارد وإلى عمل جماعي دؤوب حتى نصل إلى نتائج ملموسة”.

ووعد جلخي أهالي المفقودين المشاركين بما وصفها بـ “ثوابت لا حياد عنها”:

  • شفافية كاملة: كل معلومة وكل خطوة ستُشارك مع أهالي المفقودين أولًا.
  • أولوية مطلقة لاحتياجات العائلات، سواء من الدعم النفسي، أو المشورة القانونية، أو المشاركة الفعلية في صنع القرار.

وطلب جلخي من أهالي الضحايا أمرين، الأول: “لا تسمحوا لليأس أن يكسر بوصلتنا، فصبركم هو الشريان الذي يُبقي هذا الطريق حيًا”، والثاني: “احكوا قصصكم مرارًا وتكرارًا، لأن القصة التي لا تُروى تموت مرتين، ونحن هنا لنتأكد أن قصصكم ستُروى، وتُسمع، وتُحترم”.

مها سلطان محمد، التي فقدت والدها وأخويها، هي عضو في “خيمة الحقيقة” الموجودة في مخيم “اليرموك” بدمشق، وهي فلسطينية الأصل، وتحاول إيصال صوت الفلسطينيين الذين تعرضوا للانتهاكات والاعتقالات، قائلة: “مثلنا مثل إخوتنا السوريين، نحن ولدنا هنا وعشنا هنا، شاركنا الألم الذي عاشه إخوتنا”.

ووثقت “مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا” وجود أكثر من 3300 معتقل ومفقود من الفلسطينيين المقيمين في سوريا.

دعم وتوصية

رحبت رئيسة “المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا”، كارلا كينتانا، بمرسوم الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، بتشكيل “الهيئة الوطنية للمفقودين” في سوريا، وتعيين الدكتور رضا رئيسًا لها، في 17 أيار الماضي.

وقالت كينتانا في حديث سابق إلى عنب بلدي، إن “إنشاء الهيئة الوطنية خطوة فعالة نحو قضية المفقودين وعلاقتها بالمصالحة الوطنية وبناء السلام. إنه اعتراف بالألم الذي تشعر به العائلات على أحبائها المفقودين والجرح الذي لا يزال مفتوحًا بكل بيت في سوريا”.

وأضافت: “في إطار ولايتنا الإنسانية، تدعم المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين جهود سوريا للبحث عن جميع المفقودين دون استثناء، لقد فُقد أشخاص في سوريا خلال أكثر من 50 عامًا من حكم النظام، بما في ذلك 14 عامًا من الحرب”.

ما “المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا”

تأسست بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 حزيران 2023، وهي كيان تابع للأمم المتحدة، جاء “استجابة للنداءات العاجلة من أفراد أسر الآلاف من الأشخاص المفقودين في سوريا لاتخاذ إجراءات لتحديد مصيرهم ومكان وجودهم”.

وينص القرار التأسيسي لـ”المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين” على ما يلي:

  • توضيح مصير ومكان وجود جميع الأشخاص المفقودين في سوريا.
  • توفير الدعم الكافي للضحايا، بمن في ذلك الناجون والناجيات وأسر المفقودين.

وتشير جهود منظمات المجتمع المدني ومجموعات الضحايا على مدى سنوات عديدة إلى أن أعداد المفقودين تتجاوز 100,000 شخص، بحسب رئيسة “المؤسسة المستقلة”.

وتابعت أن “المؤسسة المستقلة” يمكنها تقديم الدعم الفني ومنهجيات الطب الشرعي المتقدمة وخطط البحث المحددة، وتعزيز البنية التحتية الوطنية وقدرات الموارد البشرية اللازمة للبحث، وتقديم الدروس المستفادة السابقة من التجارب الدولية المختلفة، وتنسيق الدعم الدولي للجهود الوطنية، وغيرها من الجهود.

وخلال حديثها لعنب بلدي، قدمت رئيسة “المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا”، كارلا كينتانا، عدة توصيات لـ”الهيئة الوطنية للمفقودين” هي:

  • البحث عن المفقودين في سوريا مهمة هائلة لا يمكن لأحد أن يقوم بها بمفرده، ومن الضروري التعاون مع جميع الهيئات الفاعلة والجهات المعنية ذات الصلة. يجب أن تتضافر جهود الجميع لدفع هذا الأمر إلى الأمام.
  • إشراك العائلات ومنظمات المجتمع المدني التي تعمل على هذا الأمر منذ سنوات أمر حيوي في عملية البحث عن المفقودين في سوريا.
  • لـ”المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين” دور مهم في تقديم المعرفة والخبرة الخاصة والعمل معًا لدعم الجهود الوطنية.
مشاركة المقال: