في خضم واحدة من أشد الكوارث البيئية التي شهدتها محافظة اللاذقية في السنوات الأخيرة، أتت النيران على أكثر من 37 ألف فدان من الغابات والأراضي الزراعية، مما أدى إلى نزوح السكان وانقطاع التيار الكهربائي وتفاقم الاحتياجات الإنسانية والطبية الملحة.
وفي مواجهة هذا الوضع الحرج، بادرت الجهات الصحية والإنسانية إلى تفعيل استجابة ميدانية عاجلة، تضمنت تقديم المساعدات الطبية وإرسال فرق الإسعاف وتقييم الأضرار التي لحقت بالمراكز الصحية، بالتنسيق مع مديرية صحة اللاذقية التي اضطلعت بدور حيوي في تنظيم التدخلات.
أفاد الدكتور محمد بكرو، مدير مكتب الساحل في الجمعية الطبية السورية الأمريكية، بأن الاستجابة الصحية جاءت نتيجة للتنسيق المباشر مع المديرية منذ اللحظات الأولى، واستهلت بإرسال شحنة من الأدوية والمستهلكات الطبية الضرورية إلى المناطق المتضررة، بالإضافة إلى تسيير سيارتي إسعاف، بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، لتأمين نقل المصابين من مواقع الحرائق إلى المرافق الطبية القريبة.
كما أوضح الدكتور بكرو في تصريح خاص لمنصة سوريا 24 أنه تم تخصيص دعم مالي طارئ لشراء المحروقات اللازمة لآليات الدفاع المدني العاملة في إخماد الحرائق، وتغطية الاحتياجات الطبية العاجلة، في حين تم تقييم وضع عدد من المراكز الصحية في ريف المحافظة، بما في ذلك مركز قسطل معاف، لتحديد حجم الأضرار والاحتياجات المستقبلية.
وأثنى مسؤولون صحيون محليون على سرعة الاستجابة التي شهدتها المحافظة خلال الأيام الماضية، مشيرين إلى أن توفير الدعم الطبي الفوري ساهم في تخفيف الضغط الكبير على الكوادر العاملة في الميدان، خاصة مع صعوبة الوصول إلى بعض المناطق المحاصرة بالنيران.
وتأتي هذه الجهود في وقت يتواصل فيه العمل على تعزيز البنية التحتية الصحية في الساحل السوري، بما في ذلك تجهيز المستشفيات بأجهزة متطورة، كان آخرها تشغيل مسرّع خطي للعلاج الإشعاعي في مستشفى اللاذقية، وهو ما اعتبر خطوة نوعية في تحسين خدمات علاج الأورام في المنطقة.
من جانبه، يرى محمد الشيخ يوسف، مدير المكتب الإعلامي للجمعية الطبية السورية الأمريكية، أن حرائق الساحل الأخيرة لم تكن مجرد كارثة بيئية، بل محطة مفصلية أعادت التذكير بأهمية العمل التشاركي لمواجهة الأزمات. وأضاف: "مثل هذه الأحداث توحد الجهود وتكشف أهمية جاهزية المؤسسات وتكاملها في التعامل مع الكوارث، تمامًا كما حدث سابقًا في كارثة الزلزال أو جائحة كورونا."
ويشدد الشيخ يوسف على ضرورة تعزيز القدرات المحلية، سواء من خلال تطوير المخزون الطبي والاستجابة السريعة، أو من خلال دعم البنى التحتية التي تتيح استجابة أكثر فاعلية مستقبلًا، في مواجهة ما وصفه بـ"التهديدات المتكررة التي تواجه المجتمعات السورية من صنع الإنسان أو من فعل الطبيعة".