مع تزايد حرائق الغابات عالمياً وخسائرها التي تقدر بمليارات الدولارات، يبرز الكشف المبكر عن هذه الحرائق كأمر حيوي. إلا أن الوسائل المستخدمة حالياً، مثل الأقمار الصناعية، والدرونات، والكاميرات الحرارية، وأبراج المراقبة المأهولة، تشكل عبئاً مادياً كبيراً على الدول التي تعاني من نقص الموارد.
لمعالجة هذه المشكلة، قام مجموعة من خريجي الجامعات بتطوير جهاز لكشف الحرائق بحجم ثمرة الصنوبر. يهدف هذا الجهاز إلى منح المجتمعات الضعيفة ميزة حاسمة في السباق للهروب من الحرائق الكبرى أو احتوائها، خاصةً أنه صغير وبسيط وقليل التكاليف.
وفقاً لمطوري الجهاز في مقابلة مع شبكة CNN، فإن أجهزة استشعار Pyri مصنوعة بشكل أساسي من مُركّبات الشمع والفحم، ومصممة للاندماج مع البيئة دون أن تترك أثراً. يمكن نشر الجهاز في المناطق المعرضة للحرائق وتركه لسنوات دون الحاجة إلى صيانته. عند نشوب حريق، تذيب الحرارة آلية داخلية تُفعّل الجهاز، ما يُنتج إشارة منخفضة التردد تطلق الإنذار.
بدأت شركة Pyri في لندن كمشروع جامعي بين أربعة طلاب في تخصص هندسة التصميم، وقرر ثلاثة منهم الاستمرار في تطويره كمشروع تجاري بعد تخرجهم العام الماضي. اسم الشركة مستوحى من المصطلح العلمي “pyriscence”، الذي يصف الطرق التي تتكيف بها الطبيعة مع حرائق الغابات.
قالت كارينا جونادي، الشريكة المؤسسة لـ Pyri، إن الجهاز يمكن أن يساعد الناس على الإخلاء في وقت أبكر، ويمنع الحرائق من التفاقم قبل أن تصبح خارجة عن السيطرة وتُلحق دماراً كبيراً. وأضافت أن رصد الحريق في بدايته يجعل إخماده أسهل بكثير.
وفي إشارة إلى “الأنواع التي تعتمد على الحرائق” من الأشجار، أشارت جونادي إلى أنواع مختلفة من أشجار الصنوبر التي لا تزدهر فقط في المناطق المعرضة للحرائق، بل تحتاج إلى الحرائق للتكاثر، حيث لا تطلق بذورها إلا عندما تذوب المادة الصمغية التي تغلق مخاريطها بفعل الحرارة العالية. كان لهذه الفكرة تأثير مباشر على جونادي وزملائها المصممين.
وتتابع جونادي، متذكرةً بداية التصميم: “ماذا لو استلهمنا من الطريقة التي تتعامل بها الطبيعة بالفعل مع الحرائق، واستخدمنا مواد مستوحاة من الطبيعة لابتكار أبسط شكل ممكن من أنظمة الكشف عن حرائق الغابات؟”
الشكل الشبيه بمخاريط ثمرة الصنوبر لأجهزة Pyri عملي أيضاً، فالهيكل خفيف الوزن والمضلّع يساعد في حمايته من الصدمات، خاصةً عند إسقاطه من الجو لتغطية مناطق واسعة أو يصعب الوصول إليها. أراد المصممون أيضاً أن تكون هذه الأجهزة غير ملحوظة سواء من قِبل البشر أو الحيوانات.
بهذا الخصوص قالت جونادي: “لقد فقدنا بالفعل إحداها في البيئة.. لذا، من حيث التمويه، ربما نبالغ في النجاح قليلاً!”
من بين التحديات الرئيسية الأخرى أمام المصممين هو الالتزام باستخدام مواد غير سامة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالإلكترونيات اللازمة لإنتاج إشارة. ورغم أن شركة Pyri لا تفصح علناً عن تقنية التحفيز التي تعتمدها ولا عن التركيبة الدقيقة لموادها /نظراً لتقديم طلب براءة اختراع قيد الدراسة/، فإن المصممين لجؤوا إلى الإلكترونيات العضوية وتجنبوا استخدام معادن الأرض النادرة وبطاريات الليثيوم أيون.
تسعى جونادي لضمان ألا تترك الأجهزة أي تأثير سلبي على البيئة بمجرد أن “تحترق”. وأوضحت أن عدد الأجهزة المطلوبة في أي منطقة معينة سيعتمد بشكل كبير على جغرافية الموقع، بما في ذلك الطبوغرافيا والنباتات، قائلة إن “ديناميكيات الحرائق معقدة جداً.”
تأمل Pyri في بيع حزمة اشتراك لكل كيلومتر، تتضمن أجهزة الاستشعار إلى جانب برامج التثبيت والمراقبة. ورغم رفض جونادي الكشف عن الأسعار المستقبلية للشركة الناشئة، لكنها قالت إنهم يستهدفون رسوماً “تعادل نصف تكلفة أقرب منافس.”
يأمل مؤسسو شركة Pyri الذين عملوا على البحث والتطوير وجمع التمويل منذ تخرجهم بإجراء اختبارات وعروض توضيحية صغيرة النطاق في وقت لاحق من هذا العام، تمهيداً لتنفيذ تجارب أكبر العام المقبل، على أن يتم الإطلاق التجاري عام 2027.
ووفق شبكة CNN فإن حرائق الغابات الشديدة تشهد تكراراً متزايداً على مستوى العالم، كما أصبحت مواسم الحرائق أطول وأكثر حرارة وجفافاً من ذي قبل. وتقول إن التغير المناخي يعد مساهماً رئيسياً في ذلك، إذ تؤدي موجات الجفاف وارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى جعل هذه الحرائق أضخم وأسرع وأصعب في السيطرة عليها، ما قد يؤدي بدوره إلى تفاقم أزمة المناخ.
وبحسب برنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن حرائق الغابات في عام 2023 تسببت فيما يقدّر بـ 6,687 ميغاتون من تلوث ثاني أكسيد الكربون، أي سبعة أضعاف ما أصدره قطاع الطيران العالمي في العام ذاته. ويتوقع البرنامج زيادة بنسبة 30% في حرائق الغابات الشديدة بحلول نهاية عام 2050، وزيادة بنسبة 50% بحلول نهاية القرن. كما أن حرائق كبيرة تحدث الآن في أماكن لم تكن تُعتبر تاريخياً عرضة للحرائق، من الساحل الشرقي للولايات المتحدة إلى سيبيريا في روسيا.