في ظل التكهنات المستمرة حول إمكانية عقد جولة جديدة من المحادثات بين إيران والولايات المتحدة، وفي خضم التهديدات الأوروبية بتفعيل آلية العودة التلقائية للعقوبات الأممية على طهران، كثفت إيران مشاوراتها مع حليفيها روسيا والصين. يأتي ذلك في وقت تصر فيه طهران على مواصلة برنامجها النووي، خاصة فيما يتعلق بتخصيب اليورانيوم على أراضيها.
عُقد الاجتماع الوزاري للدول الأعضاء في «منظمة شنغهاي للتعاون»، أمس، في مدينة تيانجين الصينية، بمشاركة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي. يذكر أن إيران انضمت إلى عضوية المنظمة قبل عامين، وهو ما اعتُبر، إلى جانب عضويتها في مجموعة «بريكس»، أحد مظاهر سياسة «التوجه شرقاً» التي اعتمدتها إيران في السنوات الأخيرة، على أمل أن يسهم تعزيز العلاقات مع دول مثل الصين وروسيا في تقليل الأضرار والتداعيات الناجمة عن العقوبات والضغوط الغربية، والحد من عزلتها على المستوى الدولي. ومع ذلك، يرى البعض في إيران أن موسكو وبكين لم تدعما طهران بالقدر الكافي، خاصة في المنعطفات الحساسة، مثل الحرب الأخيرة.
في الوقت الذي تخضع فيه إيران لضغوط شديدة في مجال برنامجيها النووي والصاروخي، وفي ظل وقف إطلاق نار هش مع إسرائيل، يبدو أن طهران لا تزال تفضل الاستفادة من علاقاتها السياسية مع موسكو وبكين لتعزيز موقفها. وفي هذا السياق، التقى وزير الخارجية الإيراني، أمس، الرئيس الصيني شي جين بينغ، قبل إجراء مشاورات مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، على هامش اجتماع وزراء خارجية «منظمة شنغهاي للتعاون».
ونقلت وكالة «ريا نوفوستي» عن لافروف قوله في بداية اللقاء: «لدينا فرصة لمناقشة بعض القضايا التي تتطور بسرعة كبيرة». وأشار لاحقاً إلى أنه ناقش مع عراقجي سبل التوصل إلى «حل سلمي للأزمة الإيرانية»، وأن نظيره الإيراني لم «يطلب المساعدة في إعادة إعمار المنشآت المدمرة جراء الضربات الإسرائيلية والأميركية».
وقال لافروف: «ناقشنا مقاربات واقعية تضمن التوصل إلى تسوية عبر الوسائل السياسية والدبلوماسية السلمية، مع احترام القرارات التي اتخذتها جمهورية إيران الإسلامية منذ وقت طويل، ولا سيما إعلان طهران الرسمي التخلي عن امتلاك الأسلحة النووية. ولم تُقدَّم أيّ أدلة تثبت عكس هذا الإعلان، بما في ذلك من قِبَل مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية». واعتبر الوزير الروسي أن «الركيزة الثانية الأهم في مسار التسوية» هي «احترام الحقوق المشروعة لإيران في ما يخص تخصيب اليورانيوم لأغراض الطاقة».
دعا لافروف إلى «احترام الحقوق المشروعة لإيران في ما يخص تخصيب اليورانيوم لأغراض الطاقة»
من جهته، دعا عراقجي، في خطاب ألقاه أمام اجتماع وزراء خارجية «منظمة شنغهاي»، المنظمة إلى «اتخاذ موقف سياسي واضح وداعم» ضد «العدوان العسكري والإرهابي المنسق» الذي شنته كل من إسرائيل والولايات المتحدة ضد إيران في حزيران الماضي، مطالباً بتفعيل دور المنظمة في مواجهة التهديدات الإقليمية والتدخلات الخارجية. واقترح الوزير الإيراني إنشاء آليات دائمة داخل المنظمة لمواجهة التهديدات الأمنية والعقوبات الأحادية، محذراً من أن «الصمت الإقليمي والدولي يمنح إسرائيل غطاءً للاستمرار في سياساتها العدوانية».
وقال عراقجي إن «منظمة شنغهاي بقوتها الجيوسياسية والاقتصادية، قادرة، بل ومطالبة بأن تؤدي دوراً محورياً في حماية الأمن الجماعي الإقليمي، والتصدي للهيمنة، وتأكيد التعددية والتعاون المتوازن».
جاءت مشاركة عراقجي في اجتماع المنظمة في وقت تتواصل فيه التكهنات حول احتمال استئناف المحادثات بين طهران وواشنطن، خاصة في ظل إشارة كل من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ومبعوثه الخاص ستيف ويتكوف، إلى إمكانية عقد جولة تفاوض قريباً مع إيران. وفيما تحدثت بعض وسائل الإعلام الأميركية عن احتمال بدء المحادثات خلال الأسبوع الجاري، في العاصمة النروجية أوسلو، أكد الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، أول أمس، إنه لم يتم بعد تحديد أي موعد أو مكان للقاء عراقجي وويتكوف.
في موازاة الغموض الذي يلف المفاوضات، تزايد، خلال الأيام الماضية، الحديث عن احتمال تحرك الدول الأوروبية في اتجاه تفعيل «آلية الزناد» (العودة التلقائية إلى العقوبات الأممية على إيران)، بعدما أثار قرار طهران تعليق تعاونها مع «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، رداً على الهجمات الإسرائيلية والأميركية المباشرة على منشآتها النووية، قلق الترويكا الأوروبية. وعلى الرغم من أن قراراً لم يصدر، إلى الآن، عن مجلس محافظي الوكالة، بإحالة الملف الإيراني رسمياً على مجلس الأمن الدولي، يبدو أن احتمال تحرك الدول الأوروبية في اتجاه تفعيل «آلية الزناد»، قائم، وذلك في إطار تكثيف الضغوط على إيران، لدفعها إلى «الاستسلام».
وفي هذا الشأن، أعلن وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، أمس، أن باريس ولندن وبرلين، أو «الترويكا الأوروبية»، ستفعل آلية العودة السريعة إلى عقوبات الأمم المتحدة على إيران، بحلول نهاية آب المقبل، إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق نووي قبل ذلك الموعد. وأضاف، في تصريح إلى الصحافيين قبيل اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل: «فرنسا وشركاؤها لديهم ما يبرر إعادة تطبيق الحظر العالمي على الأسلحة والبنوك والمعدات النووية، والذي كان قد رُفع قبل 10 أعوام»، قائلاً: «من دون التزام قوي وملموس وموثوق من إيران، سنقوم بتفعيل العقوبات بحلول نهاية آب على أقصى تقدير». وكان عراقجي اعتبر، من جهته، الإجراء المحتمل للدول الأوروبية الثلاث الأطراف في الاتفاق النووي، «خطأ فادحاً»، قائلاً: «إنهم يظنون أن آلية الزناد تمنحهم القوة للعب دور في الموضوع النووي الإيراني».