يشكو سكان مدينتي رأس العين وتل أبيض في شمال سوريا من ضعف خدمات الإنترنت وبطء سرعة الاتصال، في ظل الحاجة المتزايدة للشبكة في مجالات العمل والتعليم والتواصل مع الأقارب في الخارج. يعتمد الأهالي بشكل أساسي على الشبكات الخلوية التركية لتأمين الاتصال، إلا أن الإشارة غالبًا ما تكون ضعيفة ومتقطعة، خاصة في الأحياء البعيدة عن الحدود.
وفقًا لرصد أجرته عنب بلدي لأسعار باقات الإنترنت في رأس العين وتل أبيض، يبلغ سعر باقة 1 ميجابايت 10 دولارات أمريكية (100 ألف ليرة سورية)، بينما يبلغ سعر باقة 4 ميجابايت 14 دولارًا. تتوفر باقة 8 ميجابايت بسعر 20 دولارًا، وباقة 10 ميجابايت مقابل 25 دولارًا، في حين تصل باقة 20 ميجابايت إلى 30 دولارًا كحد أقصى. تعتبر هذه الأسعار مرتفعة مقارنة بالخدمة المقدمة والأجور اليومية للعمال في المنطقة، والتي تتراوح بين 80 و100 ألف ليرة سورية يوميًا (الدولار الواحد يعادل نحو 10,000 ليرة).
تعطيل أعمال السكان
أثر ضعف الإنترنت سلبًا على أعمال غالبية سكان رأس العين وتل أبيض، خاصة أولئك الذين يعملون عن بعد أو يستخدمون تطبيقات الدفع والتوصيل، مما تسبب في خسارة فرص وتعطيل للمهام اليومية. يواجه مازن الأحمد، من تل أبيض (28 عامًا)، صعوبات يومية في عمله بمحل بيع الهواتف بسبب الانقطاعات المتكررة للإنترنت، مما يعيق تعبئة الرصيد وصيانة الأجهزة التي تتطلب اتصالًا مستمرًا بالشبكة. يدفع الأحمد 20 دولارًا شهريًا مقابل سرعة إنترنت لا تتجاوز 8 ميجابايت في الثانية، ويصف الخدمة بأنها سيئة ولا تستحق هذه التكلفة. طالب المجلس المحلي بوضع حد معقول لأسعار الإنترنت، وضبط جودة الشبكة، وتشغيل الخط الأرضي (الفايبر) لتأمين اتصال ثابت وبأسعار مناسبة للسكان.
من جانبه، لجأ خالد العيسى، من سكان رأس العين (36 عامًا)، إلى شراء لاقط خارجي وكابل بتكلفة 100 دولار لتأمين اتصال منزلي بالإنترنت بعد فشل الخيارات المتاحة في تلبية حاجاته. أوضح أنه يدفع شهريًا 12 دولارًا مقابل سرعة لا تتجاوز 1.5 ميجابايت في الثانية، وهي سرعة تكاد لا تكفي للاستخدامات الأساسية مثل تصفح البريد ومكالمات الفيديو. يعتمد العيسى على الإنترنت في إعطاء محاضرات لطلاب عن بعد لتأمين دخل يساعده بجانب عمله في التعليم، لكن ضعف الشبكة يعيق جودة الدروس بسبب الانقطاعات المتكررة، مما يؤثر سلبًا على الطلاب. ذكر أنه تواصل مع شركة الإنترنت التي تزود منزله عدة مرات، لكنه لم يلحظ أي تحسن في جودة الخدمة أو استقرارها.
يشتكي السكان من عدم استجابة الشركات الخاصة في رأس العين لمطالب تحسين جودة خدمة الإنترنت، رغم تكرار الشكاوى، مما يزيد من معاناة الأهالي ويتركهم دون حلول فعالة لتحسين الاتصال. يجري تحديد الأسعار من قبل الشركات الموردة للإنترنت وفق اتفاقيات بين المورد والموزع المحلي، إذ يعتبر الموزعون المحليون المستفيد الأول من ارتفاع الأسعار، ويحصلون على أرباح أكبر كلما ارتفعت الأسعار. جهاز لأحدى شركات الانترنت في رأس العين – 10 حزيرن 2025 (عنب بلدي)
بنية تحتية متهالكة
أدت النزاعات العسكرية في مدينتي تل أبيض ورأس العين إلى تدمير جزء كبير من بنية الإنترنت التحتية وتعطيل الخدمات، مما دفع السكان للاعتماد على شبكات بديلة تعمل عبر لواقط خاصة تثبت على أبراج الاتصالات. تعد هذه الشبكات بديلًا محدود الكفاءة، إذ تعاني من ضعف في الأداء، وسرعات اتصال منخفضة، وانقطاعات متكررة، مما يصعب على السكان إنجاز أعمالهم اليومية والتواصل بشكل مستقر.
قال سيف الدين عرمان، المورد الرئيسي لشركات الإنترنت في تل أبيض، لعنب بلدي، إن ضعف خدمات الإنترنت في المدينة وريفها يعود إلى أسباب عدة، أبرزها الاعتماد على لواقط تستقبل الإشارة من أبراج بث داخل المدينة، وهو الخيار الوحيد المتاح في ظل غياب التغطية المباشرة. أوضح أن الشركات المزودة تفتقر إلى الإمكانيات المالية اللازمة لمد الشبكات الرئيسية، بسبب التكاليف المرتفعة، مما يمنع إنشاء بنية تحتية متكاملة. أضاف أن المدينة والقرى لم تشهد أي تحسن في جودة الإنترنت منذ فترة سيطرة النظام السوري السابق، واستمر الوضع كما هو خلال فترات حكم "الإدارة الذاتية" و"الحكومة السورية المؤقتة" منذ عام 2019. أشار إلى أن الاستثمارات التي كان من المفترض أن تنفذ لتحسين الخدمة لم تنجز كما يجب، وهو ما يجعل تجربة المستخدمين، خصوصًا في الريف، سيئة للغاية من حيث الاستقرار والسرعة.
نوّه إلى أن الأسعار لا تحدد محليًا، بل تتأثر بمصدر الخدمة القادم من تركيا، سواء من حيث الجودة أو الكلفة، مما يقيد الشركات ويمنعها من تقديم باقات مستقرة وبأسعار مناسبة.
مشاريع لم تنجز
قال زياد ملكي، المتحدث الرسمي باسم "المجلس المحلي في رأس العين"، لعنب بلدي إن "المجلس" قضى عامًا كاملاً في صيانة البنية التحتية لشبكات "الفايبر" عالية السرعة، وكان من المقرر أن ينجز المشروع خلال ستة أشهر، إلا أن عدة عوامل حالت دون إكماله في الوقت المحدد. أوضح أن العمل واجه صعوبات عديدة، أبرزها الأنفاق التي حفرتها "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) تحت الأرض، والتي أعاقت تقدم المشروع بنسبة تقارب 70%، نظرًا لتعقيد تمديدات الشبكة التي تعتمد على مد الكابلات الأرضية. أشار إلى أن "المجلس" أنهى نحو 40% من أعمال الصيانة حتى الآن، ويواصل تنفيذ المشروع ضمن الإمكانيات المتاحة والموارد المحدودة.
لا توجد آلية لضبط أسعار الإنترنت في رأس العين، نتيجة عدم تدخل الجهات الحكومية بتنظيم الأسعار، مع وجود العديد من الشركات المزوّدة للإنترنت في المنطقة. يبلغ عدد سكان مدينتي رأس العين وتل أبيض 253 ألف نسمة، وتصل مساحتهما الإجمالية إلى 27,800 كيلومتر مربع، ويعتمد السكان على الإنترنت في العديد من القطاعات، مثل شركات تحويل الأموال، ومحال الهواتف النقالة، ومجالات العمل والتعليم عن بعد. تقع رأس العين وتل أبيض بمحاذاة الحدود التركية، ويسيطر عليهما "الجيش الوطني السوري" المدعوم تركيًا (انضمت الفصائل إلى وزارة الدفاع)، بينما تحيط بهما جبهات قتال باردة مع "قسد"، وتعتبر الحدود التركية منفذها الوحيد نحو الخارج.