السبت, 19 يوليو 2025 02:43 AM

في قلب الحرب اليمنية: "خمسة/خمسة" لحميد عقبي تمزج فانتازيا الرعب بالواقع

في قلب الحرب اليمنية: "خمسة/خمسة" لحميد عقبي تمزج فانتازيا الرعب بالواقع

في روايته الجديدة "خمسة/خمسة"، الصادرة عن دار متون المثقف بالقاهرة، يقدم الكاتب والمخرج السينمائي اليمني حميد عقبي عملًا روائيًا جريئًا يتجاوز التصنيفات التقليدية. تمزج الرواية بين فانتازيا الرعب وعناصر سياسية، وتتداخل فيها قصة حب مع تساؤلات حول الهوية، ليصبح الجسد مسرحًا لكل من المقاومة والانكسار.

تبدأ أحداث الرواية في باريس، ثم تنتقل إلى القاهرة، لتعود مرة أخرى إلى باريس، وتنتهي في النورماندي بفرنسا. تتناول الرواية قصة حب تجمع بين سعيد، الشاب اليمني الفقير، وملاك، الفتاة المنتمية إلى عائلة يمنية ذات نفوذ. تحلق الرواية في عوالم النخبة والمنفى، وتستكشف الألم والجبروت والفساد.

في البداية، قد يظن القارئ أن الرواية تسير في مسار رومانسي تقليدي، لكن حميد عقبي يفاجئنا بتحولات متتالية نحو الغرائبية، ثم إلى الرعب والجنس، وصولًا إلى تفكيك الزمن والمعنى. يقع الحدث المحوري في يوم "خمسة/خمسة"، الذي يتحول إلى مصيدة زمنية ووجودية، تدفع الشخصية إلى دائرة متكررة من الألم والفقد والتشظي. لم تعد القصة مجرد قصة حب، بل سردًا يتكسر على ذاته، وتتبدل أزمنته، ويعاد ترتيب مشاهده على طريقة السينما التجريبية والمسرح الذهني.

تتكرر الأحلام، تنفصل الروح عن الجسد، وتدخل الشخصيات في مشاهد شبحية، حيث تتحدث الأشياء، ويصبح الموتى أوفى من الأحياء. الرعب في الرواية يتجاوز كونه مجازيًا، إذ يتجسد بصريًا عبر مشاهد سوداوية، يمتزج بعضها بكوميديا لاذعة، بينما يقتحم البعض الآخر فضاء الميتافيزيقا. هناك أجساد تتحلل، أشجار تنطق، رسائل تتساقط من السماء، وأبواب تفضي إلى أماكن غير متوقعة. تستخدم هذه العناصر كأدوات لطرح أسئلة وجودية وأخلاقية.

في قلب هذه الهلوسة، تظل الحرب اليمنية هي الخلفية الثقيلة، الحاضرة بصمت كابوسي. لا تسرد الرواية الحرب كحدث سياسي، بل كتجربة داخلية ممزقة، كبشاعة تستمر في اقتحام الحب والذاكرة والمستقبل. لا أحد يخرج منها سالمًا: لا الأم، لا العائلة، لا العاشقون، ولا حتى الوطن. يتسرب صوت اليمن في الرواية من بين الصمت، ومن تشققات الروح، لا عبر الشعارات، بل من جراح الطبقة والقبيلة والذكورة المنفلتة.

الرواية مكتوبة بلغة مشحونة، ذات إيقاع شعري وسينمائي. الجمل قصيرة حادة، متوترة، تنزلق أحيانًا إلى التأمل الفلسفي، وأحيانًا إلى تفجر شعري لا يخلو من الإيروتيكا والاحتجاج. يجد القارئ نفسه وكأنه يشاهد فيلمًا داخل عقل مريض، أو محتجزًا داخل حلم لا يعرف كيف يستفيق منه.

تعتبر "خمسة/خمسة" واحدة من أكثر روايات حميد عقبي طموحًا على مستوى البناء والتقنيات، حيث يدمج بين التجريب ما بعد الحداثي والجرأة في تفكيك السلطة الذكورية والمجتمعية. الرواية ليست موجهة فقط لقرّاء الرومانسية أو السياسية، بل لمحبي الرعب النفسي، السرد الغرائبي، ومحبي كافكا وماركيز على حد سواء. "خمسة/خمسة" رواية عن الحب في زمن الحرب، وهي أيضًا مسرح داخلي يضج بالأشباح والأسئلة والذكريات المعطوبة.

اخبار سورية الوطن 2_وكالات _راي اليوم

مشاركة المقال: