الأحد, 20 يوليو 2025 07:40 PM

عين الفيجة: استملاكات تثير جدلاً حول التعويضات وتطلعات الأهالي بعد سقوط النظام

عين الفيجة: استملاكات تثير جدلاً حول التعويضات وتطلعات الأهالي بعد سقوط النظام

عنب بلدي – سندريلا البلعة

وقف بسام مزاحم (أبو محمد) متأملًا أرضه في عين الفيجة بريف دمشق، الخالية من كل شيء عدا الأنقاض وبعض الركام. يحاول استعادة ذكريات منزله وبستانه الذي كان يومًا عامرًا بالحياة، وقال بنبرة مختلطة بين الحنين والخذلان: "هنا ولدت، وهنا حلمت أن أموت".

منزل بسام الذي ورثه عن أبيه بأوراق رسمية وطابو أخضر لم يعد ملكًا له، إذ تم استملاكه من قبل النظام السابق دون إبلاغه من أي جهة رسمية، وفقًا لقوله، مؤكدًا أنه لم يستطع تقديم أي شكوى أو اعتراض في أيام النظام السابق.

واقع مجهول ينتظر أهالي قرية عين الفيجة، خليط من الخوف والأمل يعيشه أصحاب الممتلكات فيها. فبعد سقوط النظام السوري السابق، يترقبون قرارًا ينهي جدلية مصير ممتلكاتهم التي جرت السيطرة عليها في القانون رقم "1" لعام 2018، الذي نص على استملاك عقارات وأجزاء من عقارات ضمن منطقة (الحرم المباشر) لنبع عين الفيجة.

الخلفية القانونية للاستملاك

أصدر رئيس النظام السوري السابق، بشار الأسد، القانون رقم "1" للعام 2018 القاضي بتنظيم الحرم المباشر وغير المباشر لنبع عين الفيجة. ينص القانون على إنشاء حرمين على طول نفقي جر المياه من نبع الفيجة إلى دمشق، وحدد عرض الحرم المباشر بمسافة عشرة أمتار لكل طرف من النفق. فيما حدد عرض الحرم غير المباشر لنفقي جر المياه بمسافة 20 مترًا لكل طرف من النفق، اعتبارًا من محور النفق متضمنًا الحرم المباشر.

بينما أقر مجلس الشعب، في 6 من كانون الأول 2017، قانونًا يخص حرم منظومة نبع الفيجة، مع تحديد الإجراءات التي تؤمّن الحفاظ على استدامة الموارد المائية في منظومة نبع عين الفيجة، من حيث الكمية والنوعية من قبل وزير الموارد المائية آنذاك.

ولفت وزير الموارد المائية السابق، نبيل الحسن، إلى أن القانون الجديد سيترتب على صدوره استملاك مساحات إضافية عن المساحات المستملكة سابقًا، لمصلحة المؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي بمحافظة دمشق.

"الاستملاك جاء على دفعات"

عين الفيجة هي قرية وناحية في منطقة وادي بردى، تقع في الشمال الغربي وتبعد عن دمشق حوالي 15 كيلومترًا. من سفوح جبالها يتدفق نبع الفيجة الذي يزود مدينة دمشق بمياه الشرب، وتصل غزارته في فصل الربيع إلى 30 مترًا مكعبًا في الثانية، فيما يعد رافدًا رئيسًا لنهر بردى.

قال رئيس بلدية عين الفيجة، خليل عيسى، لعنب بلدي، إن "قرار الاستملاك لم يأتِ دفعة واحدة، إنما جاء على دفعات متتالية كانت المرة الأولى مطلع العشرينيات من القرن الماضي".

وبحسب عيسى، فإن ملامح الاستملاك بدأت تتكشف مع تأسيس لجنة مياه عين الفيجة عام 1922، التي قامت بجر مياه النبع إلى دمشق عبر نفق، وانتهى المشروع في عام 1933، كأولى خطواتها، وبعدها بدأت بشراء عقارات في محيط النبع.

وذكر أنه في عام 2008، بدأ مسؤولون من "حزب الله" اللبناني وضباط إيرانيون بمحاولة شراء أراضٍ وعقارات حول منطقة النبع، وذلك بعد زيارة هاشم رفسنجاني، الذي كان يشغل منصب رئيس مجلس تشخيص الدولة في إيران، لكن الأهالي لم يستجيبوا لهم.

استغلت مؤسسة مياه عين الفيجة الحصار الذي فرضه النظام على المنطقة عام 2016، وأخلت المنطقة من سكانها، وقامت باستملاك الأراضي الواقعة ضمن الحرم المباشر الموسع بمساحة 1200 دونم بحوالي 1089 عقارًا، إذ إن العقارات التي تم هدمها ضمن قرار الاستملاك ليست مخالفة إنما مرخصة بملكية طابو أخضر، ومن ضمنها منزل عيسى، بحسب ما قاله لعنب بلدي.

مطالب الأهالي تعود إلى الواجهة

"لقد كان أصعب ما مر علينا في رحلة التهجير القسري، رؤية والدي يقف عاجزًا عن فعل أي شيء، بعد أن سرقوا منا تعب عمره"، هكذا وصفت أمل رحيمة، ابنة عين الفيجة، معاناتها وأهلها بعد تدمير منزلَي والديها ضمن قرار الاستملاك واضطرارهم لتحمل مشقة الإيجارات الشهرية.

وأضافت، "لم نصدق أن يصلنا الخبر عبر وسائل التواصل، لقد كانت صدمة لن أنساها أبدًا، الخسائر لم تقتصر على الماديات، بل شملت أرشيفنا العائلي، مسكننا وعمل والدي، فقد كان أبي يعمل في محله تحت منزلنا الذي كنا نقطن فيه، لقد حرمونا حتى حق أن نعترض، أو أن ندافع عن أنفسنا".

وختمت، "لكن سقوط النظام خلق لدينا أملًا في العودة، حتى وإن كلفنا ذلك أن نبدأ حياتنا من الصفر".

أمل العودة يتجدد مع سقوط النظام

بعد سقوط النظام، أصدر محافظ ريف دمشق، عامر عبد الهادي الشيخ، إعلانًا بشأن واقع الاستملاك في محافظة ريف دمشق، برقم "279/ص" في 13 من آذار الماضي، ويقضي ببدء استقبال الشكاوى والطلبات من المتضررين من الاستملاكات الواقعة على عقاراتهم، ضمن مدة محددة لتقديم الطلبات.

وحرصًا من المحافظة على حقوق المواطنين في جميع المواقع التابعة للمحافظة، مددت المدة المحددة 30 يومًا، تبدأ من اليوم التالي لانتهاء المدة الأولى، أي اعتبارًا من 14 من نيسان، ما دفع الكثير من الأهالي للمسارعة بمراجعة مكتب المحافظة لتسجيل عقاراتهم وممتلكاتهم المستملكة في عهد النظام السابق.

جدل حول التعويضات والملكية

أكد مدير مؤسسة المياه لدمشق وريفها، أحمد درويش، أنه تم تجميع شكاوى أهالي عين الفيجة بعد سقوط النظام، وإرسالها للوزارة المختصة بالتزامن مع تشكيل لجنة استشارية مشتركة، تتألف من وزارة الطاقة والموارد المائية ومؤسسة مياه الشرب، ولجان استشارية مع محافظة ريف دمشق، لإعادة النظر بقانون الاستملاك، والبحث في الأسباب الموجبة لتنفيذه، والتأكد من صحة تطبيقه، وإعادة تقييمه.

جاء قرار الاستملاك بسبب الخوف من التلوث الذي قد يلحق مياه النبع، ما أدى إلى توسيع دائرة حرم النبع، وتم بناء قرار الاستملاك من قبل جهات استشارية خارجية بعد دراسة أجرتها هذه اللجان، وفقًا لدرويش.

لم ينفِ درويش أو يؤكد وجود مطامع لإيران أو "حزب الله" في المنطقة في عهد النظام السابق، وفيما يتعلق بالتعويضات، أوضح أنه لم يتم صرف أي تعويضات للأهالي حتى الآن، نافيًا وجود أي خطة استملاك مستقبلية في المنطقة.

الفيجة الآن

بعد سقوط النظام في 8 من كانون الأول 2024، عاد أهالي عين الفيجة إلى أطلال منازلهم مع أمل في العودة وإعادة البناء، فهم يعتقدون أن "الله اختص قريتهم بهذا النبع العذب، وجعلهم جنودًا حماة له"، وفق وصف رئيس بلدية عين الفيجة، الذي قال، "نحن ننتظر من الحكومة الجديدة أن تنصفنا في قراراتها المتعلقة بالنبع، وأن تعيد للمواطنين حقوقهم المسلوبة".

مشاركة المقال: