أثار إعلان وزارة السياحة عن توقيع عقد مع شركة "All Season" لاستثمار منتجع "جونادا" في مدينة طرطوس جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي. وتزايدت التساؤلات حول مصير المستثمرين السابقين، وآلية نقل الملكية، ومدى قانونية الإجراءات التي سبقت إبرام العقد مع الجهة الجديدة. يأتي هذا الجدل في ظل انتقادات متصاعدة لسياسات الاستثمار الحكومية، خاصةً ما يتعلق بغياب الشفافية في طرح المشاريع، كما حدث في مشاريع سابقة مثل "بوليفارد النصر" بحمص والاستثمارات الجارية في منطقة جبل قاسيون، مما يثير مخاوف حول مستقبل الاستثمارات السياحية وحقوق المستثمرين في البلاد.
من هو مستثمر منتجع "جونادا"؟
كشف تحقيق استقصائي تفاصيل ملكية واستثمار منتجع "جونادا"، الذي يُعد نموذجاً للشراكة بين القطاعين العام والخاص في سوريا. وأكدت ريم أحمد، مديرة المبيعات والتسويق في المنتجع، أن شركة "سواري للاستثمارات السياحية" تملك 49% من المشروع، بينما تعود الحصة الكبرى البالغة 51% إلى مجلس مدينة طرطوس. ويشير موقع "من هم" إلى أن رامز علي زيود وعلي نجيب إبراهيم هما من المؤسسين المشاركين في شركة "سواري"، بينما تعود ملكية الشركة فعلياً إلى رجل الأعمال أحمد خليل. يُعرف خليل بعلاقته الوثيقة بيسار إبراهيم، مدير المكتب المالي والاقتصادي لمساعد رئيس النظام السوري المخلوع، بشار الأسد، وهو شخصية مدرجة على قوائم العقوبات الدولية منذ عام 2021، بحسب تحقيق نشره موقع "درج". ووفقاً للتحقيق، كان يسار إبراهيم المخول الوحيد بتحريك الأموال من حسابات أحمد خليل وإليها، مما يشير إلى أن استثمار منتجع "جونادا" كان في وقت سابق تحت إدارة شخصيات مقربة من النظام السوري السابق ومشمولة بالعقوبات الدولية.
ما هي شركة "All Season"؟
تُعد شركة "All Seasons" السياحية من الشركات التركية العاملة في مجال الخدمات السياحية، ويمتلكها رجل الأعمال السوري رامي الرحمون. وتقدم الشركة، وفقاً لموقعها الإلكتروني، خدمات تشمل حجز الفنادق، وتأمين المواصلات من وإلى المطارات، والسياحة العلاجية، واستثمار المنتجعات. كما تدير الشركة فندق "All Seasons" في مدينة اسطنبول، المصنف ضمن فئة الأربع نجوم. يشغل رامي الرحمون، مدير الشركة، منصب مسؤول ملف الاستثمار في محافظة إدلب، ويُعرف بنشاطه في مجالات السياحة والعقارات من خلال مشاريع استثمارية في عدد من الدول الأوروبية، من بينها هنغاريا والنمسا. وكان له حضور لافت مؤخراً خلال مشاركته في مؤتمر الاستثمار الذي أُقيم في إدلب.
الاستثمار من وجهة نظر قانونية
تلزم قوانين الاستثمار في معظم دول العالم باللجوء إلى المناقصات العلنية عند إسناد المشاريع الحكومية أو الممولة من المال العام، باعتبارها أداة رئيسة لضمان الشفافية، وتعزيز مبدأ تكافؤ الفرص والمنافسة العادلة بين المستثمرين. ورغم وجود استثناءات محددة في بعض الحالات، كالمشاريع ذات الطابع الخاص أو في حالات الضرورة القصوى، فإن غياب هذه الآلية يفتح الباب أمام التساؤلات، خصوصاً حين يتعلق الأمر بمشاريع ذات طابع عام وحساسية مالية. في هذا السياق، يبرز منتجع "جونادا" السياحي على الساحل السوري كنموذج يثير الجدل، نظراً إلى أن النسبة الكبرى من ملكيته تعود لمجلس مدينة طرطوس، أي أنه يتضمن أموالاً عامة، وهو ما يستدعي، من وجهة نظر قانونية ومجتمعية، أعلى درجات الشفافية والإفصاح، بما يشمل الإعلان عن تفاصيل الاستثمار وآلياته، لضمان عدم الانزلاق نحو صفقات مشبوهة أو شبهات فساد. تُعد المناقصات العلنية إحدى أبرز الأدوات في هذا المجال، إذ لا تكتفي بتحقيق العدالة بين المستثمرين، بل تسهم في بناء الثقة بين الدولة والمجتمع، وتعزز الرقابة المجتمعية على المال العام، وتمنح الجميع فرصة متكافئة في الوصول إلى المشاريع العامة، ما ينعكس على سمعة المؤسسة الرسمية واستقرار بيئة الاستثمار.
تناقض في الطروحات
في ظل الجدل القانوني والتساؤلات التي أثارها الرأي العام حول آلية تغيير الاستثمار في منتجع "جونادا" السياحي، تواصلت عنب بلدي مع وزارة السياحة السورية للحصول على توضيحات بشأن عدم طرح مناقصة علنية لإتاحة الفرصة أمام المستثمرين لتقديم عروضهم. أوضح مدير المكتب الإعلامي في الوزارة، عبد الله حلاق، أن الوزارة حريصة على دعم المنتجعات السياحية وتوفير جميع التسهيلات اللازمة لضمان نجاحها. وبين حلاق أن ما جرى في حالة "جونادا" لا يُعد تغييرًا في الاستثمار، بل فقط "تغييرًا إداريًا"، جاء بعد دراسة "حثيثة" بهدف تحسين الخدمات المقدمة لزوار المنتجع، لما له من أهمية في محافظة طرطوس. وأوضح أن أي عملية استثمار جديدة لا تتم إلا وفق الأطر القانونية، من خلال إنهاء العقود السابقة وطرح المشاريع عبر مناقصات وطلبات عروض، التزامًا بالقوانين الناظمة. كما أشار إلى أن ما جرى فُهم بشكل خاطئ من قبل بعض الجهات أو الأفراد.
في المقابل، قدمت إدارة منتجع "جونادا" رواية مغايرة، وأوضحت مسؤولة المبيعات والتسويق في المنتجع، ريم أحمد، أن الشركة المستثمرة حاليًا للمنتجع هي "All Seasons"، وأنه لا استمرار لاستثمار شركة "سواري" في المنتجع كما صرح المكتب الإعلامي لوزارة السياحة لعنب بلدي، وأكدت أن الاسم التجاري الجديد للمنتجع هو "Junada by All Seasons"، وامتنعت المسؤولة عن الخوض في تفاصيل إضافية ذات طابع قانوني. وأضافت أحمد أن الإدارة الجديدة تسعى إلى تطوير المنتجع والارتقاء بجودة الخدمات، مع خطة لاستهداف السياحة الداخلية، والأسواق العربية والخليجية، تمهيدًا للتوسع نحو أسواق عالمية. يُظهر التباين في التصريحات بين وزارة السياحة وإدارة المنتجع تضاربًا واضحًا في الروايات حول الجهة المستثمرة، دون صدور توضيحات رسمية تحسم الجدل أو تفسر هذا التناقض.
الأهمية السياحية لمنتجع "جونادا"
يُعد منتجع "جونادا" من أبرز الوجهات السياحية على الساحل السوري، لما يوفره من تجربة متكاملة تجمع بين الفخامة والخدمات الفندقية الراقية، ومرافق الاستجمام والترفيه، ضمن أجواء بحرية مميزة، وفق ما صرح به مدير سياحة طرطوس لوكالة الأنباء السورية (سانا). يضم المنتجع 250 غرفة وشقة فندقية، إلى جانب مجموعة متنوعة من المسابح المغلقة والمفتوحة، بما في ذلك مسابح ساخنة ومخصصة للأطفال، بالإضافة إلى مراكز للمساج والعلاج الطبيعي، ونوادٍ رياضية، ومراكز صحية، إلى جانب فعاليات ترفيهية وسهرات فنية وثقافية، ومرافق لسباقات وأنشطة الرياضات المائية.
في تصريح لعنب بلدي، أوضحت مديرة التسويق والمبيعات في المنتجع، ريم أحمد، أن الإدارة الجديدة تعتمد نهجًا يجمع بين اللمسة الأوروبية والطابع المحلي للمنتجع، مع التركيز على تطوير البيئة الداخلية للعمل. وبينت أن الإدارة بدأت أولى خطواتها بالحفاظ على الكادر الوظيفي بالكامل، ورفعت الرواتب بنسبة تجاوزت 50%، في إطار خطتها لتحسين جودة الخدمة وتعزيز بيئة العمل. وأضافت أن الحجوزات مستمرة في المنتجع ولم تتأثر بالتغييرات الإدارية، خاصة مع دخول موسم الصيف الذي يُعد ذروة الإقبال السياحي على الساحل السوري.