الثلاثاء, 22 يوليو 2025 06:35 AM

سوريا: خسائر فادحة في الغابات والبحوث تحذر من تداعيات الحرائق وتدعو لترميم علمي

سوريا: خسائر فادحة في الغابات والبحوث تحذر من تداعيات الحرائق وتدعو لترميم علمي

تسببت الحرائق الأخيرة التي اندلعت في غابات سوريا وأحراجها في تدمير جزء كبير من الغطاء النباتي، مما أدى إلى تضرر العديد من الأصول الوراثية الهامة، بما في ذلك المجمعات الوراثية التي تعتبر سوريا موطنها الأصلي والتي تشكل مع مكوناتها البيئية بنوكًا وراثية طبيعية ذات أهمية بالغة.

أظهرت تقارير عديدة حجم الخسائر في الثروة الحراجية، بينما قدمت تقارير أخرى تفصيلات حول كيفية التعامل مع الأراضي المتضررة. وفي رد على أسئلة وجهتها صحيفة "الحرية" إلى وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي وإلى البحوث العلمية الزراعية، أوضح مدير مديرية الحراج مجد سليمان أن المساحة المتضررة تقدر بحوالي 16 ألف هكتار، تشمل الأراضي الزراعية والحراجية.

إعادة تقييم

وفيما يتعلق بخطة الوقاية من الحرائق المستقبلية، صرح سليمان لـ "الحرية" بأنه سيتم إجراء إعادة تقييم فني لوضع الغابات لمنع تكرار هذه الحرائق، بالإضافة إلى زيادة عدد المخافر الحراجية ونقاط الإطفاء. وأكد سليمان أنه لا يمكن التكهن بأسباب الحرائق، سواء كانت مفتعلة أم طبيعية، لكن الوزارة ستتخذ جميع التدابير اللازمة.

تهديدات التنوع الحيوي

من جانبها، أوضحت الدكتورة دلال ابراهيم، الباحثة في الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية ورئيسة المحطة البحثية الحراجية في بحوث الغاب، أن التهديدات الرئيسية للتنوع الحيوي الناتجة عن الحرائق تشمل: فقدان الموائل الطبيعية للأنواع، وتجزئة الموائل، والتدهور، والاستغلال المفرط، والأنواع الغازية، والتلوث، والتغير المناخي الناتج عن الأنشطة البشرية المختلفة، بالإضافة إلى الحرائق.

وعلى الرغم من عدم معرفة نسبة مساهمة كل عامل من هذه العوامل في فقدان التنوع الحيوي، فإن فقدان وتجزئة الموائل الطبيعية بسبب الأنشطة البشرية الخاطئة يشكل التهديد الأساسي والمباشر للتنوع الحيوي والقوة الدافعة الرئيسية لفقدانه حاليًا، نظرًا لأن التنوع الحيوي بجميع أبعاده يرتبط بالموائل، وفقدانها أو تجزئتها يؤثر سلبًا على الأنواع.

مجمعات مهددة وراثياً

أشارت د. ابراهيم إلى وجود مجمعات طبيعية مهددة وراثيًا، مثل المجمعات الوراثية من الصنوبر البروتي المنتشرة طبيعيًا على السفح الشرقي للجبال الساحلية المطلة على سهل الغاب، والتي تتعرض لأخطار تهدد وجودها نتيجة الحرائق المتكررة، ويقتصر وجودها حاليًا على بقع بسيطة تعتمد على الحماية.

خطة ترميم البيئات الحراجية المخربة..

أوضحت د. ابراهيم أن حرائق الغابات في سوريا تمثل أزمة بيئية تتجاوز حدود الكارثة لتطول النظم الإيكولوجية والتوازن المناخي، وأن خطة التدخل تتطلب أسسًا علمية ممنهجة قابلة للتطبيق، وتعيد التوازن البيئي، وتصون التنوع الحيوي، والعمل على إعادة ترميم البيئات الهشة من الغابات بالأنواع الأساسية التي كانت سائدة، وزراعة المادة الوراثية للأنواع الحراجية البرية المثمرة الأصلية في الغابة لاستعادة البيئة الأصلية للغابات من عريضات الأوراق والمتعددة الأغراض ذات الفائدة الاقتصادية الهامة.

إعادة الترميم

وحول الطرق العلمية الأفضل لإعادة ترميم وتأهيل الغابات المحروقة وفق منهجية الإدارة المتكاملة للغابات، قدمت د. ابراهيم عدة توصيات، منها حفظ وإكثار بعض النباتات المهددة بالانقراض والنادرة والمهددة وراثيًا من خلال تأسيس مرافق لحفظ المادة الوراثية داخل وخارج المكان، إضافة إلى تأسيس مشاتل حراجية متخصصة لإكثار الأصول الوراثية للأنواع النادرة والمهددة بالانقراض والمهددة وراثيًا ضمن استراتيجية الحفظ خارج المكان.

ومن التوصيات أيضًا تحديد حقول أمهات بذرية ذات مواصفات قياسية واعتماد ترقيم الأشجار بهدف الحماية للأنواع الحراجية التي نجت من الحريق كالصنوبر البروتي المهدد وراثيًا والبلوط الرومي والدردار السوري وأنواع أخرى. كما أوصت د. ابراهيم بتشكيل فريق علمي مشترك بين وزارة الزراعة والبيئة والدفاع المدني ووزارة التعليم العالي للتقييم الميداني ورسم الخرائط المتعلقة بالحرائق وفق نظم المعلومات الجغرافية وتقييم درجة الضرر وتحديد المساحات التي يمكن تجديدها طبيعيًا وتلك التي تحتاج إلى تدخل أو تشجير، إضافة إلى إجراء مسح ميداني لتحديد سيادة النبت الطبيعي ونسبة الغطاء النباتي الباقي وتوصيف حالة التربة، ومن المهم عدم التشجير مباشرة بعد الحريق لإعطاء مجال للتعاقب النبتي الطبيعي بالإعادة وضرورة ترك التربة دون تدخل خلال أول سنتين على الأقل.

ماذا يحدث بعد الحريق؟

بحسب د. ابراهيم، يتم استبدال المجمعات الأساسية بمجمعات ثانوية ذات دلالة تدهورية بعد الحريق، وتتدمر البذور وكورمات النبات الطبي والعطري المرافقة للأنواع الأساسية في الغابة، وتزداد مخاطر الفيضانات والانجرافات للتربة. ولذلك، من المهم التأكيد على عدم استبدال الأنواع الأساسية التي كانت سائدة في الغابة كالصنوبر والسنديان والبلوط، كون الصنوبريات تمثل نوعًا طبيعيًا ضروريًا لاستقرار النظام البيئي، رغم اشتعالها السريع، ورغم ذلك يبقى الموقع قادرًا على تجديد ذاته إذا تُرك بدون تدخل بشري.

تقسيم موقع الحريق إلى قطاعات..

كما أوصت د. ابراهيم بضرورة تقسيم موقع الحريق إلى قطاعين: القطاع الأول بتشديد الحماية ومنع الرعي بعد الحريق لإعطاء فرصة للتجدد الطبيعي في حال ضمان وجود الوحدات التكاثرية، والقطاع الثاني بتحديد مناطق التدخل وإعطاء الأولوية للمناطق الأكثر تدهورًا وانحدارًا، إذ يمكن التدخل فيه جزئيًا بالتشجير وفق تقنية زراعة كرات الطين والتحريج وفق تقنية حصاد المياه وفق خصوصية الموقع. كما أكدت د. إبراهيم على ضرورة الاستعاضة عن طرق التحريج التقليدي بمنهجية استخدام نثر البذور للأنواع الحراجية في المواقع الحراجية المتدهورة والمحروقة، والعمل على إدارة بيئية صحيحة تتضمن المحافظة على النظم البيئية من خلال إعادة تأهيل المواقع بالأنواع النباتية التي كانت سائدة وإعطاء فرصة للغابة بترميم نفسها من خلال التعاقب النبتي الذي يعد الأكثر ملاءمة للنظام البيئي في المواقع الحراجية، إضافة إلى تطبيق الحماية الكافية للمواقع الحراجية المحروقة وعدم التدخل الخاطئ بقطع الجذوع المحروقة والتشجير بطريقة غير مدروسة.

مشاركة المقال: