تعاني شوارع مدينة حلب يوميًا من حركة مرورية غير منتظمة، تتسبب في فوضى وازدحام خانقين بسبب الغياب الواضح للتنظيم المروري. هذا المشهد أصبح مألوفًا للسكان، حيث تتزاحم السيارات في الطرقات الضيقة، وتسلك الدراجات النارية الأرصفة، ويجد المشاة صعوبة بالغة في عبور الشوارع وسط حركة المركبات المتدفقة.
تغيب الإشارات الضوئية عن معظم التقاطعات أو تكون معطلة منذ أشهر. وفي بعض الأحياء مثل بستان القصر وصلاح الدين، يجد السكان صعوبة في تحديد أولوية المرور، فالشوارع تفتقر إلى العلامات الواضحة التي تنظم ذلك.
“سباق مفتوح”
وصف خالد مامو، أحد سكان حي الجميلية، الوضع في شوارع الحي بأنه “سباق مفتوح”، حيث يبتكر كل سائق طريقته الخاصة في المرور، مع غياب الالتزام بقوانين السير وعدم وجود جهة تضبط الحركة. ويشكو السكان من قلة عناصر الشرطة المكلفين بتنظيم السير، ففي العديد من التقاطعات التي تشهد ازدحامًا شديدًا، لا يوجد أي شرطي مرور، مما يترك السائقين يتصرفون بشكل عشوائي. وأضاف خالد أن العدد الحالي للعناصر غير كافٍ لتنظيم مدينة بحجم حلب، خاصة مع التوسع الكبير في حركة المركبات والدراجات النارية.
معتز المصري، سائق “تاكسي” من حي صلاح الدين، قال إن معظم شوارع المدينة تحولت إلى ما يشبه “دوار الموت”، في إشارة إلى التقاطع الشهير والمدخل الجنوبي لمدينة حلب، المعروف بهذا الاسم بسبب كثرة الحوادث فيه. وأكد أن الفوضى أصبحت السمة العامة لشوارع المدينة، حيث لا يوجد أي شرطي مرور في العديد من التقاطعات الرئيسية لتنظيم حركة السيارات، مما يجبر السائقين على إدارة المرور بأنفسهم بطريقة عشوائية. وانتقد معتز شرطة المرور بسبب ما وصفه بالتساهل في تسجيل المخالفات وعدم ضبط المخالفين في الشوارع، بالإضافة إلى غياب الالتزام بقوانين السير وإشارات المرور.
تتفاقم الأزمة بسبب تدهور حالة الطرقات وانتشار الحفر والتشققات، بالإضافة إلى توقف المركبات على جانبي الشوارع في ظل غياب الرقابة، مما يزيد من الازدحام ويعيق الحركة. وسط هذه الظروف، يطالب السكان بضرورة تنظيم المرور وتفعيل إشارات السير، في حين أكدت إدارة المرور أنها بدأت في اتخاذ إجراءات للحد من الفوضى.
“المرور” تتحرك
أعلنت إدارة المرور في حلب، يوم الأحد 20 من تموز، عن إطلاق حملة شاملة لضبط المخالفات وتنظيم السير، بهدف الحد من الازدحام وتقليل الحوادث. ودعت الإدارة جميع السائقين إلى الالتزام بقواعد المرور والتعاون مع الشرطة، مشيرة إلى أن المخالفات ستعرض مرتكبيها للمساءلة القانونية والغرامات المالية. وخلال جولة رصدتها عنب بلدي في حي الجميلية وساحة الجامعة، بدأ عناصر المرور بتسجيل مخالفات تتعلق بالركن الخاطئ، والتوقف على الرتل الثاني، والسير بعكس الاتجاه.
رئيس قسم مباحث مرور حلب، جمعة قدور، قال في 15 من تموز الحالي، إن الأزمة المرورية في المدينة “لا يمكن تحميلها لعناصر الشرطة وحدهم”، مشيرًا إلى وجود أسباب أخرى، بينها العدد الكبير من السيارات الذي دخل إلى المدينة، إضافة إلى الطرق غير المؤهلة لحركة السير الحالية. وبحسب قدور، تعاني مدينة حلب من غياب مواقف مخصصة لوسائل النقل العامة (الميكروباصات)، ما يدفع السائقين إلى التوقف وسط الشوارع الرئيسة، مسبّبين ازدحامًا إضافيًا. ويعاني فرع المرور أيضًا من نقص كبير في عدد العناصر والكادر البشري، إلى جانب ضعف الإمكانيات اللوجستية من سيارات وأجهزة. وأشار إلى وجود توجيهات من قوى الأمن الداخلي لدعم الفرع بالعناصر اللازمة لتسهيل حركة السير وضبط المخالفات. وذكر أن إدارة المرور بدأت بالفعل، منذ الأشهر الأولى من تحرير المدينة، بتفعيل مخالفات تعتبرها “خطرة”، مثل تجاوز الإشارات الضوئية، السير عكس الاتجاه، والوقوف في المنعطفات، بالإضافة إلى إيقاف المركبات في أماكن ممنوعة أو على الرتل الثاني. كما تعمل الإدارة بالتعاون مع مجلس مدينة حلب على إصلاح الطرقات، وتفعيل الإشارات الضوئية، ووضع الشاخصات المرورية، وفقًا لتعبيره.
“أسبوع حزم”
بدوره، اعتبر محافظ حلب، عزام غريب، أنه سيكون هناك “أسبوع حزم” فيما يخص المخالفات المرورية، بعدما وصفه بتزايد شكاوى الأهالي من تجاوزات السائقين، وأكد أن هناك “نقلة نوعية” في هذا الملف، وذلك عبر فيديو نشره عبر حسابه على منصة “إنستجرام”، في 9 من تموز الحالي. وأوضح أنه ضمن مبادرة “لعيونك يا حلب”، فإن المحافظة سلمت دفعة من السيارات الحديثة إلى فرع المرور، وذلك في إطار خطة تهدف إلى تنظيم الحركة المرورية وتحديث الخدمات العامة. وأوضح أن هذه الخطوة تأتي كجزء من رؤية المحافظة لإزالة التلوث البصري وتحسين المشهد العام للمدينة “بروح عصرية”.
ورغم هذه الإجراءات، ما زال سكان حلب يأملون بخطط طويلة الأمد لمعالجة أزمة المرور جذريًا، بعيدًا عن الحلول المؤقتة، وسط مخاوف من استمرار الفوضى في ظل تزايد أعداد المركبات وضعف التنظيم. وشهدت حلب في الأشهر الأولى ما بعد تحرير المدينة ارتفاعًا ملحوظًا في عدد الحوادث المرورية، خصوصًا في الشوارع الحيوية والمزدحمة.
حوادث متكررة
رصدت عنب بلدي تسجيل حوادث متكررة عند الشارع المحيط بقلعة حلب، نتيجة دخول السيارات بشكل مخالف إلى المنطقة الأثرية، وعند تقاطع المهندسين المعروف بازدحامه، إضافة إلى دوار “الباسل” (سابقًا) وساحة الجامعة، التي تعد من أكثر النقاط نشاطًا بحركة السير. أما في نزلة أدونيس غربي مدينة حلب، فغالبًا ما تتحول الحركة هناك إلى فوضى كاملة بسبب غياب الإشارات الضوئية وعناصر الشرطة معًا، رغم أن الموقع يشهد مرور عدد كبير من “السرافيس” والسيارات الخاصة يوميًا. وفي 25 من أيار الماضي، شهد الشارع واحدًا من أعنف الحوادث المرورية، بعد اصطدام حافلتي نقل ركاب بسيارة خاصة، ما أدى إلى وفاة رجل مسن وإصابة أربعة أشخاص. الحادثة أعادت تسليط الضوء على مشكلة غياب الإشارات المرورية وعناصر الشرطة في نقاط تشهد ازدحامًا يوميًا، مثل نزلة أدونيس، وسط مطالب مستمرة بتنظيم حركة السير.