الثلاثاء, 22 يوليو 2025 09:37 PM

تصعيد في دير البلح: هل تنجح إسرائيل في تحقيق أهدافها العسكرية والسياسية؟

تصعيد في دير البلح: هل تنجح إسرائيل في تحقيق أهدافها العسكرية والسياسية؟

في تطور لافت، توغلت القوات الإسرائيلية في منطقة دير البلح وسط قطاع غزة، في أول عملية من نوعها منذ بداية الحرب. سبق هذا التوغل قصف مدفعي وجوي مكثف، مع تهديدات بتوسيع العملية لتشمل مخيم المدينة، الذي يعتبر معقلاً رئيسياً لا يزال خارج السيطرة الإسرائيلية المباشرة.

يبدو أن هذا التصعيد مرتبط بحسابات سياسية، وعلى رأسها الرهان الإسرائيلي المستمر على القوة كوسيلة للضغط على حركة «حماس»، رغم فشل هذه الإستراتيجية مراراً وتكراراً. تأمل إسرائيل في أن يشكل هذا الهجوم ضغطاً إضافياً على الطرف الفلسطيني، خاصة في ظل الجمود الذي يشهده المسار التفاوضي، وهو ما يخالف تطلعات واشنطن وتل أبيب.

تأتي العملية الإسرائيلية في دير البلح أيضاً في ظل تصاعد الضغوط الداخلية على الحكومة الإسرائيلية ورئيسها بنيامين نتنياهو، لإظهار «فاعلية» في استعادة المحتجزين عبر التفاوض. بالإضافة إلى ذلك، يبرز عامل جديد يتمثل في الحسابات الانتخابية التي يسعى نتنياهو لاستغلالها لتعزيز موقعه السياسي الداخلي، مع تزايد احتمالات إجراء انتخابات مبكرة.

في الجوهر، تكرر إسرائيل إستراتيجية التصعيد العسكري، ليس إيماناً بفاعليتها، بل لعدم وجود بديل آخر. ولهذا، يتم الرهان على القوة كحل مؤقت، في غياب أي حل استراتيجي حقيقي للصراع. ولكن، لماذا دير البلح تحديداً؟ ولماذا الآن؟

العملية العسكرية الحالية ليست وليدة الصدفة، بل هي جزء من حسابات أوسع تتجاوز الهدف العسكري المباشر، على الرغم من أهمية السيطرة على هذه المنطقة. بعد مرور 650 يوماً على الحرب، لم تتمكن إسرائيل من إخضاع «حماس» أو تفكيك بنيتها العسكرية بشكل كامل. الدخول إلى دير البلح والتهديد بالسيطرة على مخيمها يمثل محاولة لإظهار أن تل أبيب لا تزال قادرة على التحرك والسيطرة على مناطق جديدة، حتى في المراحل المتأخرة من الحرب، بالإضافة إلى ضرب أحد آخر المعاقل التي تسيطر عليها الحركة.

تهدف إسرائيل أيضاً إلى إظهار أن الخيار العسكري لا يزال قائماً ويمكن الرهان عليه، وأنها مستعدة لتحمل تبعاته، حتى وإن تسبب في قتل الأسرى. تجدر الإشارة إلى أن دير البلح لم تشهد عمليات عسكرية واسعة النطاق في السابق، على عكس مناطق مثل خانيونس أو جباليا، في حين ترجح الاستخبارات الإسرائيلية وجود الأسرى فيها.

تُستخدم العملية أيضاً كأداة سياسية داخلية لتعزيز موقف نتنياهو أمام الرأي العام الإسرائيلي، الذي يطالب باستعادة المحتجزين، وأمام اليمين المتطرف في حكومته، الذي يضغط لرفض أي تسوية تعتبر «تنازلاً». الرهان على القوة يهدف إلى إظهار أن الحكومة لا تزال تتحرك عسكرياً ولا تستسلم للضغوط، وهي رسالة موجهة تحديداً إلى الجمهور اليميني الذي يطالب بمواصلة الحرب.

بالإضافة إلى ذلك، تسعى إسرائيل إلى التماشي مع الرغبة الأميركية الحالية في تحقيق اختراق سياسي في الملف الغزي، حتى لو تطلب ذلك تصعيداً ميدانياً مسبقاً. تمارس الإدارة الأميركية ضغوطاً على «حماس» للتوصل إلى اتفاق تبادل يعيد جزءاً من الأسرى الإسرائيليين، ولكنها في الوقت نفسه لا تمارس ضغوطاً حقيقية أو ملموسة على إسرائيل لحملها على تقديم تنازلات، وتتفق معها على دفع الحركة إلى التراجع عبر الضغط الميداني، تمهيداً لفرض تسوية من موقع قوة.

بناء على ما سبق، فإن العملية العسكرية الإسرائيلية في دير البلح ليست مجرد تمدد عسكري إضافي في القطاع، بل هي جزء من إستراتيجية أوسع تجمع بين الحسابات الميدانية والسياسية والشخصية والعوامل الدولية الضاغطة. تحاول إسرائيل، من خلال هذه الخطوة، أن تظهر أنها تتحكم في زمام المبادرة، خاصة مع ما تسميه «تعنت» «حماس»، كما تريد أن تثبت أنها قادرة على فرض تسوية من موقع قوة، حتى لو استمرت الحرب، المتجهة إلى دخول عامها الثالث.

مشاركة المقال: