السبت, 26 يوليو 2025 10:08 AM

تقرير بي بي سي يكشف: خلية جهادية تهدد الدروز في السويداء ومسلح يهدد فريق التصوير بالقتل

تقرير بي بي سي يكشف: خلية جهادية تهدد الدروز في السويداء ومسلح يهدد فريق التصوير بالقتل

"أي تصوير قد يتسبب بقتل الفريق". بهذه الكلمات الصريحة، هدد قائد مجموعة مسلحة فريق بي بي سي أثناء تواجدهم في إحدى القرى القريبة من مدينة السويداء في سوريا. كان القائد ملثماً ويرتدي لباساً مدنياً مع جعبة عسكرية وحاملاً بندقية كلاشنكوف وسكيناً.

كان هدف فريق بي بي سي هو الدخول إلى مدينة السويداء بعد وقف إطلاق النار لتغطية آثار الاشتباكات والأوضاع الداخلية، برفقة مجموعة ممن يعرفون بـ "مسلحي العشائر". توجه الفريق إلى إحدى الجبهات الفاصلة بين مقاتلين عشائريين ينتمون إلى الطائفة السنية ومسلحين دروز على مشارف قرية عريقة في محافظة السويداء.

تمنع حواجز الأمن العام التابعة للحكومة المسلحين العشائريين من اجتياز خطوط وقف إطلاق النار، لكنها لا تبعدهم عن المكان، حيث ينتشرون بالعشرات بأسلحتهم الخفيفة. وعند وصول الفريق مع المسلحين العشائريين إلى خط وقف إطلاق النار قرب قرية عريقة التي يسيطر عليها مقاتلون دروز، فوجئوا بوجود مجموعة أخرى من نحو 15 مقاتلاً، بدا على هيئتهم أنهم من مسلحي العشائر أيضاً، لكن ما حدث أثار الشكوك.

كان معظمهم يرتدون لباساً مدنياً، بينما ارتدى بعضهم سراويل عسكرية مموهة، وظهر آخرون باللباس البدوي التقليدي والشعر الطويل، مما يصعب تحديد انتماءاتهم. اقترب قائد المجموعة، أبو حذيفة، مع مسلحيه من فريق بي بي سي عندما شاهدوا إخراج الكاميرا من السيارة، وبدا جاداً وهدد الفريق بشكل واضح.

بعد إعادة الكاميرا إلى السيارة والتأكيد لهم أنهم لن يقوموا بالتصوير وأنهم يريدون فقط إعداد تقرير للموقع الإلكتروني، سمح أبو حذيفة للفريق بالصعود معهم إلى أعلى التل برفقة المقاتلين العشائريين. ابتعد المقاتلون العشائريون وافترشوا الأرض على بعد أمتار قليلة بجانب فريق بي بي سي. وأخبر أحدهم الفريق بأنه يستطيع اصطحابهم إلى مكان آخر للتصوير وإجراء لقاءات بسهولة، لكن ما جرى بعد ذلك دفعهم للبقاء قليلاً.

كانت غالبية المجموعة، بمن فيهم أبو حذيفة، ملثمين، باستثناء شابين في مطلع العشرينيات من العمر، وجميعهم يحملون بنادق الكلاشنكوف والمسدسات والسكاكين. واحد منهم على الأقل كان يحمل سكيناً تتدلى من خصره إلى ركبته وتشبه تلك التي كانت تظهر في إصدارات التنظيمات الجهادية.

المنطقة ريفية مفتوحة ذات تربة بركانية صخرية سوداء، وفي أعلى التلة بناء قديم مهجور مبني بحجارة سوداء اتخذه المقاتلون ساتراً ومقراً لهم. على الجانب الآخر، وعلى بعد نحو ثلاثة كيلومترات، أقام مقاتلون دروز تحصينات للدفاع عن قرية عريقة، ويستطيعون من مواقعهم كشف أي تحركات قد يقدم عليها المسلحون الذين كان فريق بي بي سي برفقتهم.

كان أبو حذيفة ومجموعته قد أعدوا على ما يبدو خطة لمهاجمة القرية الدرزية، وبدأ بمراجعتها مع مقاتليه، وسأل مسلحي العشائر إن كانوا يريدون المشاركة في الهجوم، فاعتذروا بحجج متعددة. بدأ أبو حذيفة إعطاء التعليمات لمقاتليه، فتأكد للفريق أنه لا علاقة لهم بمسلحي العشائر ولا القوات الأمنية بمختلف أشكالها.

بعبارات جهادية، حفز أبو حذيفة مقاتليه بأن من يوجد على الجانب الآخر هم من "انتهكوا أعراض المسلمين السنة"، وأن هدف الهجوم هو قتل "الدروز الكفار". وأمرهم قائلاً: "لا نريد أسرى، اذبحوا كل من تجدونه، طفلاً كان أو مسناً".

خلافاً للمجموعات العشائرية التي تنتمي عادة إلى نفس القبيلة وتنحدر من نفس المنطقة، كانت مجموعة أبو حذيفة مؤلفة من نحو 15 مقاتلاً من عدة مناطق من سوريا، وكان واضحاً من لهجاتهم أن بعضهم جاء من مناطق شرقي البلاد، بينما جاء آخرون من حلب وإدلب شمالاً.

عندما سأل فريق بي بي سي أبو حذيفة عن انتمائه، تجنب الإجابة المباشرة، ورد بالقول إن هدفهم هو "نصرة الدين وإقامة دولة الشريعة الإسلامية". وعندما سألوه عن الأوامر التي أعطاها لمقاتليه وأنها قد تثبت الاتهامات الموجهة للحكومة السورية بأنها تسمح لجهاديين بمهاجمة الدروز ويحرجها أمام حلفائها وقد يعرضها للقصف مجدداً من قبل إسرائيل، رد الرجل الأربعيني بانتقاد لاذع غير مسبوق بحق رئيس الفترة الانتقالية في سوريا، واتهمه بالتخاذل منذ سنوات طويلة. وقال إنهم "هم من قاوموا وحملوا السلاح منذ العام 2011، لنصرة الدين وإقامة دولة الشريعة"، وإنهم لم يضحوا طيلة السنوات الماضية ليأتي "زوج لطيفة ويكشف وجهها للعوام ويجلس في القصر الجمهوري". ولطيفة الدروبي هي زوجة الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، والتي شاركته الظهور في عدة مناسبات رسمية وشعبية بعد التوافق على رئاسته للفترة الانتقالية.

بدأت الإشارات تزداد على احتمال أن تكون المجموعة مرتبطة بما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية، إذ يحمل التنظيم حقداً كبيراً على الشرع الذي كان يعرف بأبو محمد الجولاني حين تم إرساله من العراق لتأسيس فرع للتنظيم في سوريا عام 2011، قبل أن ينشق عنهم عام 2013 ويبايع تنظيم القاعدة، مما تسبب باندلاع معارك عنيفة بين الطرفين في عدة مناطق سورية، يُعتقد أنها أودت بحياة الآلاف.

ولا تزال خلايا تنظيم الدولة تنشط بقوة في مناطق البادية السورية وسط البلاد، والمتصلة مع الحدود الشرقية لمحافظة السويداء. ويتطلب وصول مجموعة أبو حذيفة إلى المنطقة التي التقى بها فريق بي بي سي عبور حواجز أمنية نظامية كثيرة، وقد يتيح تشابه أشكالهم من لباس وشعر طويل بالمقاتلين العشائريين عبور الحواجز بسهولة، مع إخفاء أي شعارات تشير لانتمائهم.

عاد أحد المقاتلين العشائريين ليطلب من فريق بي بي سي الذهاب لموقع آخر بإصرار أكبر هذه المرة، فنزلوا عن التلة باتجاه السيارة، وحين ابتعدوا أخبرهم بأنهم حاولوا عدة مرات أن يعطوهم إشارة لضرورة المغادرة، وأن مجموعة أبو حذيفة تنتمي لتنظيم الدولة الإسلامية وأنه تعرف على واحد منهم على الأقل كونه يتحدر من نفس المنطقة التي يتحدر منها في محافظة الحسكة شرقي البلاد ولا يزال في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية. لم يتمكن فريق بي بي سي من التأكد بشكل مستقل مما يقوله، رغم أنه أوضح أن المسلح ترك الحسكة والتحق بتنظيم الدولة ولم يعد منذ ذلك الحين.

يضيف المقاتل العشائري، الذي رفض الكشف عن اسمه خوفاً من انتقام التنظيم، أنه سمع أبو حذيفة يتهامس مع أحد مقاتليه بأنه تعرف على أحد أعضاء فريق بي بي سي من عمله على تغطية المعارك ضد تنظيم الدولة في سوريا والعراق. ويعتقد المقاتل أن ما حال دون خطفهم أو تعرضهم للأذى هو وجود مجموعة المقاتلين العشائريين، إذ كان الأمر سيتطلب معركة بين الجانبين لا يمكن التنبؤ بنتائجها بالنظر إلى وجود المجموعة خارج مناطق نفوذها.

ويتهم الدروز جماعات جهادية وقوات أمنية نظامية ومسلحي العشائر بارتكاب انتهاكات كثيرة بحق أبناء الطائفة، ومن بينها حالات عدة من الإعدام الميداني بحق مدنيين. فيما يقول مسلحو العشائر إن فصائل درزية هاجمت مناطق سكن البدو في محافظة السويداء وأجهزت على الكثير من المدنيين هناك بعد انسحاب القوات السورية النظامية يوم الثلاثاء الماضي.

وكان قائد الأمن الوطني في السويداء العميد أحمد دالاتي الذي يقود جهود التهدئة في السويداء عن الجانب الحكومي قد قال إن "محافظة السويداء كانت مأوى كل العصابات، من فلول النظام وتجار المخدرات وخلايا الدواعش، بسبب غياب السلطة". وكشف أن القوات الأمنية تعرضت لتفجيرات من قبل عناصر في تنظيم الدولة حين تقدمت في اتجاه السويداء يوم الأحد الماضي، وأن عودتها للانسحاب بسبب الضربات الإسرائيلية والضغوط الدولية تسببت بحالة فوضى هائلة كانت الحكومة السورية قد حذرت منها.

وقال وزير الخارجية الأميركية يوم الأحد الماضي "إن الحفاظ على سوريا موحدة وسلمية وخالية من سيطرة تنظيم الدولة وإيران يتطلب استخدام القوات الحكومية لمنع التنظيم وأي جهاديين آخرين من دخول المناطق وارتكاب المجازر ووقف أعمال الاغتصاب والذبح بحق الأبرياء".

ورغم تماسك وقف إطلاق النار الذي أعلن الأحد، إلا أن بي بي سي شهدت انتشاراً واسعاً لفوضى السلاح في محيط الحواجز الأمنية، التي تواصل منع دخول مسلحي العشائر الذين لا يزالون يتجمعون بالعشرات قربها. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن 1339 شخصاً قتلوا جراء اشتباكات محافظة السويداء من بينهم 124 مدنيا، منهم 10 أطفال و24 سيدة.

تتزايد المخاوف من تسلل عناصر التنظيم بين مقاتلي العشائر بهدف دخول مناطق الدروز، مما قد يعيد إشعال دوامة العنف الطائفي بوتيرة أشد. ولا تزال أطراف الأزمة عاجزة حتى الآن عن التوصل إلى اتفاق يتيح دخول القوات الحكومية إلى المحافظة، بل إن الأوضاع ازدادت سوءاً، في ظل انتشار صور وشهادات تفيد بارتكاب عناصر أمن انتهاكات، من بينها إعدامات ميدانية بحق أبناء الطائفة الدرزية.

مشاركة المقال: