السبت, 26 يوليو 2025 10:05 AM

جرائم باسم الدين: قراءة في الصراعات العقائدية وتأثيرها على سوريا

جرائم باسم الدين: قراءة في الصراعات العقائدية وتأثيرها على سوريا

يستهل سمير التقي مقاله بمقولة نيتشه الشهيرة: "احذر، وأنت تصارع الوحوش من أن تصير وحشاً مثلها". ويشير إلى أن الجرائم الكبرى عبر التاريخ، من محاكم التفتيش إلى الحروب الصليبية، وصولاً إلى ممارسات بشار الأسد وداعش ونتنياهو، لا تُرتكب باسم الشرّ الصريح، بل غالباً ما تُبرر بالحقّ المقدّس والرسالة الخالدة والتقرّب من الله.

ويوضح الكاتب أن سوريا، منذ الثورة الزراعية، كانت ساحة أو شريكاً في صراعات الكتل الاستراتيجية الكبرى. فعندما تضعف، يصبح الصراع عليها محتدماً، وعندما تقوى، تصبح نداً وشريكاً في توازن القوى. ويضيف أن سوريا، بثروتها البشرية والفكرية، احتضنت العديد من الأنبياء والعقائد، بدءاً بالديانات السماوية ووصولاً إلى الفكر القومي. ويرى أن سوريا ازدهرت كلما تخلت عن العصبيات العقائدية وانفتحت على الحرية الفكرية والفلسفية والدينية، بينما تدهورت وانكمشت عندما انغلقت على العصبية وظلام الفكر.

ويشير التقي إلى أن لعنة الصراعات العقائدية تعود باستمرار لإحباط أي ازدهار سوري، وتدفع بخيرة أبناء سوريا نحو الهجرة. ورغم التفاخر بنجاحات السوريين في المهجر، إلا أن ذلك يخفي فشلاً في بناء وطن مزدهر. فبعد أن كانت سوريا مهد إبداعات حضارية هائلة، هجرها صُنّاعها ومفكروها بسبب الحروب العقائدية.

ويؤكد الكاتب أن سوريا، بعد التخلص من نظام الأسد، تمر بأضعف حالاتها، مهددة بصراع "الكل ضد الكل". فنظام الأسد فكك الروابط الوطنية ومزق العقود الاجتماعية والثقافية. ويضيف أن العصبية الطائفية أصبحت هوية مسلحة قاتلة، وأن الكتل الاستراتيجية الدولية والإقليمية تتصارع بقوة حول سوريا.

ويتساءل التقي: علامَ يتقاتل السوريون؟ ويجيب بأنهم يختلفون على نموذج الدولة الراهن، نموذج تفرضه هيئة تحرير الشام، التي تسعى لفرض رؤيتها على المجتمع بكل مكوناته. ويرفض كثير من السوريين أن تصبح السلفية الجهادية عقيدة للبلاد وجوهراً للتثقيف والولاء.

ويشدد على أن القوم الأغلبي السني المديني غير طائفي، ويعرّف نفسه بتدينه الأشعري أو الصوفي، ويرفض تعريف وطنيته بالطائفية. ويقف هذا القوم، وفي مقدمه السنة، والمواطنون من كل الطوائف والإثنيات، ضد استباحة الدم السوري والتجييش العقائدي الأعمى.

ويحذر من أن استعار الجنون الطائفي يقطع أواصر العيش المشترك، وهو ما تنتظره قوى خارجية كثيرة. ففي الوقت الذي تُطرد فيه معالم التحضر الوطني السوري الجامع، يُلغى أبو العلاء المعري وأبو فراس الحمداني ونزار قباني وبدوي الجبل من المناهج، ويُهدم تماثيلهم، يرفض القوم الأكثري المديني الجامع السلفية الجهادية الأحادية.

ويؤكد الكاتب أنه لا يمكن لجماعة عقائدية، تعتنق السلفية الجهادية الانتقامية، إخراج البلاد من المحنة. فالجماعات العقائدية غالباً ما تفضل تقسيم الأوطان على التخلي عن مشروعها العقائدي. ويرى أن مستوى الوهن والفقر والانهيار في سوريا لا يتيح ترف الاقتتال، بل ينتج تفككاً نهائياً للبلاد.

ويختتم التقي مقاله بالإشارة إلى وجود 14 قوة دولية حكومية وغير حكومية على الأراضي السورية، ويحذر من الرهان على الغلبة العسكرية لتوحيد البلاد. ويشير إلى أن أميركا وأوروبا تنخرطان لضبط خصومة وكلائهما، بينما تتشابك الرماح الإقليمية صراعاً على حصص حروب الطاقة والتجارة والممرات البحرية. ويحذر من التنازل للغرباء طمعاً في الحصول على تفويض إقليمي أو دولي، مؤكداً أن ذلك لن يؤدي إلا إلى تأبيد القتل والفشل الوطني. ويدعو السوريين إلى التحرك لإنقاذ وحدة البلاد، محذراً من أن إطالة التحديق في الهاوية قد يؤدي إلى السقوط فيها.

مشاركة المقال: