الأحد, 27 يوليو 2025 11:46 PM

الإعلام الاقتصادي في سوريا: كيف يبني الثقة ويحول الجمهور إلى شريك فاعل؟

الإعلام الاقتصادي في سوريا: كيف يبني الثقة ويحول الجمهور إلى شريك فاعل؟

علي عيد يتساءل: هل يمكن للإعلام، من خلال التركيز على الملف الاقتصادي في سوريا، أن يلعب دورًا بنّاءً ومختلفًا، خاصة في ظل الانقسامات النسبية بين السوريين حول قضايا متعددة؟ ففي الوقت الذي تشكل فيه السياسة تهديدًا لتماسك المجتمع، وبعد الأحداث التي وقعت في الساحل والسويداء والتي ساهم الإعلام في توسيع الشرخ المجتمعي حولها، لا يمكن إغفال الدور الذي يلعبه الاقتصاد في اندلاع مثل هذه الأحداث. فسوريا اليوم تعاني من إنهاك اقتصادي شديد، وبنيتها التحتية المدمرة تحتاج إلى مئات المليارات من الدولارات لإعادة تأهيلها.

يمكن فهم العديد من الانحيازات المجتمعية على أنها مواقف اقتصادية آنية للأفراد والجماعات. والمعلومات المبالغ فيها التي تنشر عبر وسائل الإعلام ترفع سقف طموحات الجمهور دون تقديم شروح كافية للسياقات والتفسيرات والخطط الزمنية. وعندما لا تتحقق الأهداف المتخيلة، تضعف الثقة في الرسائل والوعود، وينضم المزيد من الجمهور إلى الفئات الغاضبة لأسباب سياسية أو أيديولوجية.

إن استثمار الإعلام الاقتصادي بشكل واقعي لتخفيف الاحتقان يعتبر أمرًا بالغ الأهمية، فهو يلعب دورًا حيويًا ومحوريًا في الترويج للمشاريع الحكومية وتحقيق أهدافها. ولا يقتصر هذا الدور على مجرد الإعلان عن المشاريع، بل يشمل بناء الثقة، وزيادة الوعي، وتشجيع المشاركة المجتمعية، ومواجهة التحديات.

تتلخص أساسيات الترويج أو التفسير الإعلامي للمشاريع الاقتصادية في عدة جوانب، من بينها:

  • المواكبة: التركيز على متابعة الأخبار الاقتصادية والمستجدات والقرارات في قطاع الخدمات، باعتبارها في مقدمة اهتمامات الجمهور. ضعف المواكبة يتسبب في انصراف الجمهور إلى مصادر أخرى، قد تكون مضللة أو مبالغ فيها أو غير دقيقة.
  • التفسير والتوعية: تقع على عاتق الإعلام مهمة نقل المعلومات بواقعية، دون مبالغة، وإيضاح جوانب العمل الاقتصادي وواقعية القرارات من عدمها. ويتم ذلك عبر:
  • الإعلام عن المشاريع: يعد الدور الأساسي للإعلام هو إيصال المعلومات حول المشاريع الحكومية إلى الجمهور المستهدف، ويتضمن ذلك تفاصيل عن طبيعة المشروع، وأهدافه، وفوائده المتوقعة، والجدول الزمني لتنفيذه.
  • زيادة الوعي العام بأهمية وطبيعة المشاريع: يساعد الإعلام في رفع مستوى الوعي لدى الجمهور بأهمية المشاريع الحكومية، ودورها في تحقيق التنمية الشاملة، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو خدمية.
  • توضيح الأهداف والأثر: يشرح الإعلام بوضوح الأهداف الاستراتيجية للمشاريع وكيف ستؤثر إيجابًا على حياة الأفراد والمجتمع ككل، مثل حجم فرص العمل، ومستوى التحسن المحتمل في الخدمات، وأثر القرارات أو المشاريع في منع التضخم وارتفاع الأسعار أو زيادة الرواتب.
  1. كسب ثقة ودعم الجمهور: يمكن للإعلام الاقتصادي المواكب والناقد والمراقب أن يكسب ثقة الجمهور، وبالتالي يساعد في تكوين اتجاهاته وتبنيه مواقف منطقية حيال أداء المؤسسات أو قراراتها، وهذا يتطلب:
  • الشفافية والمصداقية: يسهم الإعلام الشفاف والموثوق في بناء جسور الثقة بين الحكومة والمواطنين، عبر تقديم معلومات دقيقة ومحايدة حول المشاريع، مما يزيد من تقبل الجمهور لها ودعمها.
  • الاستجابة للاستفسارات والمخاوف: يوفر الإعلام منصة للحكومة للرد على استفسارات الجمهور ومخاوفهم حول المشاريع، مما يقلل من الشائعات والمعلومات المضللة.
  • إبراز الإنجازات: يسلط الإعلام الضوء على قصص النجاح والإنجازات المحققة في المشاريع الحكومية، مما يعزز الشعور بالفخر الوطني ويدعم مساعي الحكومة.
  • المساءلة والمراقبة: يلعب الإعلام دورًا أساسيًا في محاربة الفساد ومواجهة المسؤولين حول تقصيرهم، كما يعزز النزاهة في القطاع العام والخاص.
  1. تعزيز المشاركة المجتمعية: يساعد الإعلام المواكب للشأن الاقتصادي في خلق تواصل باتجاهين، وهو ما يفيد الجمهور (المواطنين) وصانعي القرار (حكومة، مؤسسات)، ويتلخص هذا الدور في:
  • تشجيع التفاعل: يحفز الإعلام المواطنين على المشاركة في المشاريع الحكومية، سواء من خلال تقديم الملاحظات، أو التطوع، أو الاستفادة من الخدمات المقدمة.
  • فتح قنوات للحوار: يوفر الإعلام قنوات للحوار والنقاش حول المشاريع، مما يسمح بتبادل الآراء والأفكار بين الحكومة والمجتمع، ويساعد في اتخاذ قرارات أكثر شمولية.
  • رصد آراء الجمهور: يلعب الإعلام دورًا في رصد آراء الجمهور وتطلعاتهم حول المشاريع، وإيصالها إلى الجهات الحكومية المعنية لتطوير الخدمات وتحسينها.
  1. إدارة الأزمات ومواجهة التحديات: يخفف الإعلام المسؤول من حالات الاحتقان خلال الأزمات، كما يسهم في بناء فهم واقعي حيال التحديات، ويحول المواطن من خصم إلى شريك في المواجهة، ويتم ذلك عبر عدد من الأدوار بينها:
  • مواجهة الشائعات والتضليل: في حال ظهور شائعات أو معلومات مضللة حول المشاريع، يلعب الإعلام دورًا حاسمًا في تصحيح المفاهيم الخاطئة وتقديم الحقائق.
  • التعامل مع الانتقادات: يتيح الإعلام للحكومة فرصة للتعامل مع الانتقادات البناءة، وتوضيح الإجراءات المتخذة لمعالجة أي قصور أو تحديات قد تواجه المشاريع.
  • إبراز الجهود المبذولة: يساعد الإعلام في إبراز الجهود الحكومية المبذولة للتغلب على التحديات والصعوبات التي قد تواجه تنفيذ المشاريع.
  • تحديد سقف طموحات واقعي: معزز بالأسباب المنطقية، والتي يفسرها خبراء، ما يمنع استغلال عواطف الناس بالوعود الفضفاضة، ويمنع بالتالي جرّهم إلى مواقف حادّة اعتقادًا بأنهم خدعوا من قبل اصحاب القرار.

ما سبق يتطلب استراتيجيات إعلامية فعالة ومتكاملة وواضحة لكل مشروع، تشمل تحديد الجمهور المستهدف، والرسائل الرئيسة، والقنوات الإعلامية المناسبة (تلفزيون، راديو، صحافة، منصات رقمية، فعاليات مجتمعية). ويمكن الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة ووسائل الإعلام الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي للوصول إلى شرائح واسعة من الجمهور، وتقديم المحتوى بطرق مبتكرة وجذابة (فيديوهات، رسوم بيانية، إنفوجرافيك)، مع ملاحظة عدم ترك المؤثرين يقدمون خطة الدولة أو رؤيتها بالطريقة التي تناسبهم، أو تبعًا لأهدافهم أو توجهاتهم الأيديولوجية أو التسويقية.

أهم عناصر الاستراتيجية هي التعاون مع الصحفيين ووسائل الإعلام، وبناء علاقات مهنية قوية معهم، بما يضمن تغطية إعلامية واسعة وموضوعية للمشاريع. كما تتطلب تكثيف برامج التوعية عبر إطلاق حملات مكثفة ومتنوعة تشمل الإعلام الميداني، والورقي، والرقمي، بالإضافة إلى استخدام الدراما والفنون لإيصال الرسائل بفعالية.

على سبيل المثال، يمكن اختبار فاعلية الإعلام في توفير معلومات دقيقة حول المشاريع ومستوى النجاح في منتدى الاستثمار السوري- السعودي الذي شهدته دمشق في 24 من تموز الحالي. ولا يمنع شرح البعد السياسي دون مبالغة، وكذلك لا بد من شرح الأثر المأمول والمدى الزمني، وحتى عوامل الفشل وأدوات المراقبة. تلك مهمة الإعلام كشريك للجمهور وصانع القرار.. وللحديث بقية.

مشاركة المقال: