الإثنين, 28 يوليو 2025 04:44 PM

قمة الصين والاتحاد الأوروبي: خلافات عميقة تُعيق استغلال فرصة الضغط على واشنطن

قمة الصين والاتحاد الأوروبي: خلافات عميقة تُعيق استغلال فرصة الضغط على واشنطن

شهدت القمة الخامسة والعشرون بين الصين والاتحاد الأوروبي، التي انعقدت في بكين، مؤشرات على توتر يعكس عمق الخلافات بين الجانبين، مما بدد الآمال المعلقة على استغلال هذه المناسبة لإعادة ضبط شاملة للعلاقات. وبينما التزم الطرفان بلغة دبلوماسية خلال القمة، كان واضحًا تعنت قادة الاتحاد الأوروبي في مقترحاتهم لمعالجة القضايا المعقدة المتعلقة بالتجارة والحرب في أوكرانيا. رد الجانب الصيني بدعوات إلى تعميق التعاون وتجنب الإضرار بسلاسل الإمداد الدولية عبر إجراءات أحادية، مما يشير إلى أن العلاقات الأوروبية الصينية ستظل رهينة معادلات معقدة تتداخل فيها السياسة بالاقتصاد والأيديولوجيا بالتجارة.

في بداية القمة، وجهت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لايين، رسالة صريحة إلى الرئيس الصيني، شي جين بينغ، محذرة من أن العلاقات «وصلت إلى نقطة انعطاف». وأضافت: «لقد تعمقت شراكتنا، لكن الاختلالات تعمقت معها. ولإعادة التوازن الآن، نحتاج إلى حلول حقيقية».

تعتبر مسألة الميزان التجاري بين الجانبين من أهم القضايا على جدول أعمال بروكسل. أعربت فون دير لايين عن قلقها البالغ إزاء الفائض التجاري الصيني الهائل مع الاتحاد الأوروبي، والذي بلغ أكثر من 350 مليار دولار في العام الماضي فقط. وشددت على أن العلاقات المستدامة يجب أن تكون ذات منفعة متبادلة، مشيرة إلى أنه في النصف الأول من هذا العام وحده، زادت صادرات الصين إلى الاتحاد بنسبة 7% لتصل إلى 267 مليار دولار، بينما انكمشت الواردات من التكتل بنسبة 6% لتصل إلى 125 مليار دولار.

يقول المسؤولون الأوروبيون إنهم يشعرون بقلق متزايد بشأن تدفق السلع الصينية المنخفضة التكلفة والمدعومة إلى أسواق القارة، خاصة مع سعي بكين الحثيث إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي، مما يقلل الطلب على المنتجات الأوروبية المصنعة. وقد فتح الاتحاد الأوروبي أكثر من 25 تحقيقًا في مختلف مجالات التجارة ضد المنتجات الصينية خلال العام الماضي وحده، مما يكشف عن تعمق هوة الخلاف بين الجانبين. ورد الرئيس الصيني على تحذيرات الأوروبيين، بتأكيده أن العلاقات بالفعل «عند مفترق حرج»، داعيًا إلى «الاختيار الاستراتيجي الصحيح».

كما دافع عن موقف بلاده، مؤكدًا أن «تحديات أوروبا لا تنبع من الصين»، ودعا الاتحاد الأوروبي إلى إبقاء الأسواق مفتوحة و«ممارسة ضبط النفس» في استخدام الأدوات التجارية، محذرًا من أن فك الارتباط الاقتصادي «لن يؤدي إلا إلى العزلة الذاتية» للقارة القديمة. كما عبّر الجانب الصيني عن استيائه من التعرفات الجمركية التي فرضها الاتحاد الأوروبي أخيرًا على السيارات الكهربائية الصينية، ولمّح إلى أن إزالة القيود الأوروبية عن بيع معدات أشباه الموصلات إلى الصين، يمكن أن تساهم في تقليص الفجوة التجارية.

كانت مسألة المناخ هي الوحيدة المشتركة التي استطاع الجانبان تحقيق تقدم في شأنها. على أن نقطة الخلاف الرئيسية التي بدت أشد حدة خلال القمة، كانت حرب أوكرانيا. فقد وجهت فون دير لايين انتقادًا لاذعًا إلى القيادة الصينية، متهمة إياها بـ «تمكين اقتصاد الحرب الروسي» من خلال تعميق العلاقات التجارية مع موسكو منذ غزو أوكرانيا في شباط 2022. وتقول بروكسل إن بكين زادت تجارتها مع الروس بنسبة الثلثين، وأنقذت الاقتصاد الروسي من العقوبات الغربية من خلال شراء كميات هائلة من النفط والغاز الروسيَّيْن، فضلاً عن توفيرها إمدادات مستمرة من الشاحنات والطائرات من دون طيار وغيرها من المعدات للجيش الروسي.

استغلّت فون دير لايين، ورئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا، القمة للتعبير عن خيبة أملهما من رفض بكين استخدام نفوذها على موسكو للضغط من أجل التوصل إلى تسوية سلمية للصراع. لكن الرسالة لم تجد صدًى لدى الرئيس شي، الذي شدّد على أن «التبادلات بين الصين وروسيا لا تستهدف أي طرف ثالث، ولا ينبغي أن تتأثر بأي طرف ثالث».

في ظل هذا الانقسام، كانت مسألة المناخ هي الوحيدة المشتركة التي استطاع الجانبان تحقيق تقدم في شأنها. فقد أصدرت الصين والاتحاد الأوروبي بيانًا مشتركًا يؤكد التزامهما بتعميق التعاون في التحول الأخضر، وحثا على المزيد من خفض الانبعاثات وزيادة استخدام التكنولوجيا الخضراء. كما أكّدا دعمهما لـ «اتفاق باريس للمناخ»، ودَعَوَا إلى بذل جهود مكثفة لإنجاح قمة المناخ «COP30» التالية في البرازيل.

بالإضافة إلى ذلك، اتفق الجانبان على إنشاء «آلية تصدير محدثة» تتعلق بالمعادن الأرضية النادرة والمغناطيس. وتهدف الآلية إلى تسريع منح تراخيص تصدير هذه المواد الحيوية للصناعات المتقدمة، والتي تهيمن الصين على إمداداتها العالمية، وكانت شددت أخيرًا ضوابط التصدير عليها. وفي حين أن هذا الاتفاق يمثل تقدمًا، إلا أنه جزئي، ولم يرقَ إلى مستوى توقعات الشركات الأوروبية بتخفيف شامل لضوابط بكين الصارمة على الصادرات.

وعلى الرغم من أن التوقعات من القمة كانت منخفضة، إلا أن محللين اعتبروها فرصة ضاعت من الطرفين لتحسين مواقفهما في مواجهة الضغوط الأميركية غير المسبوقة، وفق سياسات الرئيس دونالد ترامب، لتعديل الميزان التجاري لبلاده مع شركائها التجاريين. فالصين تواجه تحديات داخلية كبيرة، بما في ذلك فائض الطاقة الإنتاجية في ظل الاستهلاك المحلي المحدود وتراجع نسب النمو الاقتصادي، ما يجعل من الوصول إلى الأسواق الأوروبية أمرًا بالغ الأهمية بحكم أنها أكبر أسواقها التصديرية، كما أنها في خضم مواجهة تجارية مع الأميركيين لم تُحسم نتائجها بعد، فيما ترزح القارة القديمة تحت أجواء ركود اقتصادي بسبب انعكاسات الحرب الاقتصادية التي تشنّها على روسيا، وتتعرّض بدورها لابتزاز أميركي معلن قد يقود إلى حرب تجارة مفتوحة تضر بأهم سوق تستورد المنتجات الأوروبية.

ويحاول الاتحاد الأوروبي تجاوز الاستحقاقات (المتفاوتة الأسباب) مع موسكو وبكين وواشنطن، عبر إبرام اتفاقات تجارية مع أطراف ثالثة مثل إندونيسيا، والمكسيك ودول أميركا الجنوبية. كما زار قادة الاتحاد، طوكيو قبل اجتماعهم في بكين، لإطلاق تحالف مع اليابان بغرض تعزيز التعاون الاقتصادي وتسهيل سبل التجارة الحرة. على أن ذلك كله ليس كافيًا، إذ يكاد الخبراء يجمعون على أن أوروبا، بتصعيدها النبرة مع الصين، لا تخدم لشعوبها قضية، ومن العقلاني «إعادة التفكير في استراتيجيتها تجاه العملاق الآسيوي، أقلّه في هذه المرحلة».

مشاركة المقال: