عندما قررت لينا حمود إطلاق مشروع استشاري في طرطوس عام 2021، لم يكن هدفها تقديم خدمات تقليدية للشركات الصغيرة أو حلول تقنية جاهزة، بل بناء رؤية جديدة لعلاقة المجتمع العربي بالتحول الرقمي. من هنا، ولدت مبادرة "LMD"، التي تحولت خلال سنوات قليلة إلى منصة معرفية تهتم برحلة التطور الرقمي، بدءًا من تدريب الأفراد على المهارات الناعمة والرقمية، مرورًا بالأمن السيبراني وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، وصولًا إلى مهارات الذكاء الاصطناعي المتقدمة. وتسعى المبادرة إلى تضييق الفجوة التقنية بين سوريا ولبنان ودول المنطقة.
تقول حمود، المديرة التنفيذية لمكتبة نوبلز الإلكترونية والمسؤولة عن فريق LMD، في حديث لـ"النهار": "لسنا جهة استشارية بالمعنى التقليدي، بل نحاول تأسيس وعي رقمي متجذر يضع الأمن السيبراني والسيادة الرقمية ضمن أولويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية".
منذ البداية، حددت المبادرة ثمانية أهداف استراتيجية، من أبرزها نشر الوعي بأهمية الأمن السيبراني وتشجيع الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى دعم التبادل المعرفي الإقليمي لردم الفجوة التقنية. وتؤكد حمود أن "الأمن السيبراني ثقافة وطنية ومجتمعية، ولا يمكن لأي تحول رقمي أن يكون مستدامًا من دون مشاركة الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني".
ترى حمود أن الذكاء الاصطناعي أداة وليست تهديدًا، وأن المستشارين الناجحين هم الذين يتطورون ولا يقاومون. فالذكاء الاصطناعي يزيد الكفاءة ويقدم حلولًا مخصصة، لكنه لا يستطيع استبدال الحدس الإنساني وبناء الثقة أو فهم السياق المحلي. وتضيف أن المستقبل يكمن في نماذج هجينة تجمع بين التقنية والإنسان، حيث يجيب الذكاء الاصطناعي عن سؤال "ماذا"، بينما يجيب المستشار عن "لماذا" و"كيف"؟
تعتبر حمود أن تبني الذكاء الاصطناعي يجب أن يكون أخلاقيًا ومسؤولًا. وتشير إلى أن LMD طورت نظامًا إداريًا رقميًا لمكتبة نوبلز وفق معايير ISO/IEC، وأطلقت تدريبات تعتمد على التحليل التنبؤي والتعلم المدمج. لكنها تحذر من ترك هذه التقنيات من دون ضوابط: "إذا تُرك الذكاء الاصطناعي من دون قيود بشرية، قد يتخذ قرارات مبنية فقط على البيانات والمنطق، متجاهلاً المعايير الأخلاقية والثقافية. الذكاء الأخلاقي هو الضمان الوحيد لتحول رقمي آمن وعادل وطويل الأمد".
تشير حمود إلى أن البنية التحتية الرقمية لا تزال ضعيفة والتشريعات غير محدثة في سوريا ولبنان، لكنها تراهن على الوعي كخطوة أولى للتغيير. وقد نفذت المبادرة مشاريع نوعية تركت أثرًا واضحًا، منها:
- مقالات توعوية عبر LinkedIn تناولت الأمن السيبراني وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي.
- برنامج Bytes4Future بالشراكة مع جهات أوروبية لدعم الشباب السوري بمهارات رقمية جديدة.
- تطوير مكتبة نوبلز الإلكترونية بأنظمة إدارية متقدمة.
- مساهمات علمية في مؤتمرات وطنية ودولية حول التحول الرقمي وسوق الأوراق المالية والنمو الاقتصادي.
- أكثر من 25 مبادرة وورشة تدريبية لطلاب الجامعات حول التوظيف الرقمي الفعال وأخلاقيات التقنية.
- دعم مجتمعي فعال عبر مبادرات صحية وتعليمية وثقافية في قرى وبلدات سورية، وصل عدد المستفيدين منها إلى نحو 1000 شخص.
تمثل هذه الإنجازات أحد الأعمدة الاستراتيجية في بناء الثقة وتقديم قيمة حقيقية للمجتمع، وتعزيز مكانة المبادرة كشريك استشاري واستثماري موثوق في سوريا والإقليم والعالم. كما يجري العمل حاليًا على إعداد برامج تدريبية متقدمة بالشراكة مع منظمات دولية لتقليص الفجوة التقنية بين دول ما بعد النزاع والدول ذات الخبرة السيبرانية العالية.
تختتم حمود حديثها لـ"النهار" بالقول: "غايتنا ليست مجرد إدخال أدوات رقمية جديدة، بل تأسيس ثقافة رقمية واعية تربط الأمن السيبراني بالتحول الاقتصادي والاجتماعي، وتجعل المستقبل الرقمي أكثر أخلاقية وعدلاً، واضعة الإنسان في قلب التحول".