الإثنين, 4 أغسطس 2025 10:54 PM

رحيل زياد الرحباني: خسارة للثقافة العربية وإرث فني لا يُمحى

رحيل زياد الرحباني: خسارة للثقافة العربية وإرث فني لا يُمحى

بقلم: مالك صقور

كأنّ السيدة فيروز، في فاجعتها برحيل ابنها زياد، تردد مع الخنساء: "يُؤرقني التذكّر حين أُمسي فأصبح قد بُليت بفرط نُكسِ". إنه مصاب جلل على قلب الأم، والأمهات وحدهن يدركن معنى فقدان الضنا، خاصة في مثل عمر السيدة فيروز، وأمام فقدان ابن مثل زياد. السيدة التي غنّت على مدى ستة عقود، والتي أجمع العرب على حبها، تجعلهم اليوم يشاركونها حزنها. فكما كانت وما زالت وستبقى فيروز أيقونة لا تشبهها أي أيقونة أخرى، لأنها جزء من ثقافتنا وحياتنا، كذلك تحول زياد المبدع أيضاً إلى أيقونة.

مهما قيل وسيقال عن الأم الحزينة وعن مسيرتها الفنية وعن زياد الذي رحل حزيناً أيضاً، فلن يرقى ذلك إلى مستوى إبداعهما الراقي السامي الرائع، ولن يفي حقهما.

كتب الكثيرون عن الفنان زياد الرحباني، وقيل الكثير عنه في حياته، ولكن بعد رحيله، أصبح للكتابة عنه شأن آخر. فبمناسبة رحيله، تم عرض الكثير من لقاءات متلفزة معه على محطات فضائية في لبنان وسوريا ومصر، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي.

تحدثوا عن الموسيقار الجاد، عن عبقريته الفذة، وموهبته النادرة، عن جرأته، عن شفافيته، عن تمرده، عن تجديده، عن مسرحه، عن خفة دمه، عن سخريته. ونسوا أو تناسوا، منهم عن قصد ومنهم سهواً، أمرين في حياة زياد:

الأمر الأول: إنه شيوعي. ولا يعرف الكاتب مدى التزامه بالتنظيم في الحزب الشيوعي اللبناني، ولكنه يؤكد أنه كان في كل مسيرته الإبداعية ملتزماً بقضايا أمته وشعبه، وملتصقاً بالقاع، مع الفقراء. وفي مواقفه الكثيرة وعبر مسيرته الفنية، كان يعبّر في سلوكه وتصرفاته وفي مسرحياته أنه شيوعي بامتياز، حتى ولو لم يكن ملتزما في صفوف الحزب الشيوعي. ويستشهد الكاتب بقول ميخائيل نعيمه: "فالشيوعية ما ولدت يوم وُلد ماركس. ولا قامت لها دولة يوم قام لينين وأعوانه من حزب الشيوعيين بثورتهم في عاصمة القياصرة. ولكنها كانت جنيناً في رحم الإنسانية المعذبة منذ راح الناس يعيشون جماعات يستثمر بعضها بعضا. فكان السيد وكان العبد. وكان التّخم وكان المحروم. وكان الحاكم والمحكوم، والظالم والمظلوم… لا ليس هو ماركس ولا لينين ولا ستالين الذي خلق الشيوعية. بل هو القلق من الفساد في النظم القائمة – الذي خلق هؤلاء وأتباعهم…" ويذكر الكاتب أيضاً عبد المعين الملوحي، الذي اختلف مع قادة الحزب الشيوعي السوري، فترك التنظيم، وبقي يوقع مقالاته باسم: شيوعي مزمن، وأحياناً: شيوعي محترف.

الأمر الثاني: كان زياد مقاوماً، مع المقاومة التي هزمت العدو الصهيوني أول مرة منذ النكبة. ويعرف الكاتب جيداً أن بعضاً ممن يعدون أنفسهم تقدميين أو يساريين، لا يؤيدون حزب الله. ويتساءل الكاتب: هل أنت مع المقاومة، أم مع الكيان الغاصب المغتصب، الذي يرتكب كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة مجازر في الضفة الغربية وفي غزة التي مُسحت عن الأرض؟ ويذكر الكاتب بإنجاز زياد: أوبريت المقاومة – يا أحرار العالم.

لقد فقدت الثقافة العربية قطباً من أقطاب الموسيقى والمسرح، غادر جسداً، وبقيت الروح المشعة الموجودة في إرثه الكبير الهائل. لا، زياد لن يموت.

(اخبار سوريا الوطن-1)

مشاركة المقال: