الأربعاء, 6 أغسطس 2025 12:28 PM

إلغاء تعيينات المستشارين في سوريا: هل هو إصلاح إداري أم تخوف من تسريب المعلومات الحساسة؟

إلغاء تعيينات المستشارين في سوريا: هل هو إصلاح إداري أم تخوف من تسريب المعلومات الحساسة؟

بررت الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية السورية قرارها بإلغاء تعيينات المستشارين في الحكومة بحرصها على تنظيم التعيينات الإدارية في القطاع العام. ومع ذلك، أثار هذا القرار جدلاً واسعاً، حيث اعتبره البعض محاولة لإفشال دمج الكفاءات التكنوقراطية في الوزارات، بهدف التخفيف من هيمنة لون سياسي واحد عند تشكيل الحكومة. ولم يقتنع الكثيرون بالتفسير الرسمي، وبحثوا عن أسباب أكثر واقعية، حيث رأى البعض أن القرار مرتبط باستقالة المستشارة سمة عبد ربه احتجاجاً على أحداث السويداء، بينما ربطه آخرون بتسريب معلومات إلى وكالات أنباء عالمية، وعلى رأسها وكالة "رويترز"، التي نشرت مؤخراً تقريراً مفصلاً عن آليات سرية لإعادة هيكلة الاقتصاد السوري، مما أثار استياءً واسعاً في الأوساط الرسمية.

ونص القرار رقم 3، الصادر بتاريخ 2 آب/أغسطس عن ماهر الشرع، الأمين العام لرئاسة الجمهورية، وشقيق الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، على "إلغاء كافة الصكوك المتضمنة إسناد وظيفة مستشار في الإدارات المركزية والجهات التابعة لها أو المرتبطة بها، وكذلك كافة عقود الخبرة لديكم".

وكانت بعض الوزارات قد شهدت، بعد تشكيل الحكومة في أواخر آذار/مارس، موجة واسعة من تعيين المستشارين، مما ترك انطباعاً إيجابياً لدى المراقبين، حيث اعتُبر ذلك رهانًا على رفع نسبة التكنوقراط في الحكومة، وكسر هيمنة اللون الواحد الذي كان أبرز الانتقادات عند إعلان تشكيلها. وقد عيّن وزير الاقتصاد نضال الشعار أكثر من ثمانية مستشارين، وهو رقم غير مسبوق، وكانت من بينهم سمة عبد ربه التي قدمت استقالتها خلال التصعيد العسكري في السويداء.

وفي هذا السياق، يؤكد عدد من المستشارين لـ"النهار" أن التكليف بمنصب مستشار لا يتم عبر توقيع عقد أو أي التزام خطي بين الوزير والمستشار، بل يكون العمل تطوعياً.

ويقول المحامي ميشال شماس لـ"النهار" إن القرار يشمل جميع الوزارات والمؤسسات العامة التابعة للدولة، ويهدف -كما يبدو- إلى ضبط تعيين المستشارين من خارج الملاك، والحد من الامتيازات غير المبررة، واصفاً القرار بأنه "في محله". ويضيف: "جاء البلاغ بعد أن كثر في الفترة الأخيرة تعيين عدد من الوزراء والمديرين جيشاً من المستشارين من خارج الملاك بشكل مبالغ فيه"، مشيراً إلى أن ذلك "يمكن أن يدل على عدم كفاءة الإدارة أو غياب الثقة بالكوادر الموجودة، وربما على وجود محسوبيات أيضاً".

وفي أول تعليق لها بعد استقالتها، كتبت سمة عبد ربه عبر صفحتها في موقع "لينكد إن": "إن لم تكن المجازر الأخيرة قد علّمتنا درساً قاسياً جميعاً، فلا أعلم ما الذي سيفعل"، في إشارة واضحة إلى أن تلك المجازر كانت سبب استقالتها. وفي لفتة تعكس طبيعة عملها السابق، أضافت: "أولئك الذين يختبئون وراء الشعارات الكبيرة عن الاستثمارات والازدهار لا يفعلون سوى خداع الناس بسراب. البلاد في فوضى طائفية كاملة. هذا لم يكن وعد المرحلة الانتقالية، ولا الاتفاق الذي تم توقيعه".

وكانت "رويترز" قد كشفت الشهر الماضي عن تفاصيل سرية تتعلق بإعادة هيكلة الاقتصاد السوري عبر مسارات غير مضبوطة قانونياً، وأزاحت الستار لأول مرة عن وجود لجنة سرية بقيادة حازم الشرع، شقيق الرئيس الانتقالي، تعمل على تفكيك إرث الاقتصاد السوري وإعادة تشكيله.

وتعززت قناعة بعض المراقبين بأن تقرير "رويترز" أثار استياءً كبيراً داخل القيادة السورية، التي فوجئت بكمية المعلومات المسربة. ويُستدل على ذلك من خلال البيان الصادر عن وزير الإعلام حمزة المصطفى، الذي انتقد عمل بعض الوكالات من دون أن يسمي إحداها. ويرى هؤلاء أن الشكوك اتجهت نحو بعض المستشارين، خاصة في الوزارات الاقتصادية، بوصفهم وراء هذه التسريبات، رغم عدم وجود أي أدلة قاطعة حتى الآن. كذلك، بدا هذا الربط في إطار التحليل، بالنظر إلى عدم اقتناع المراقبين بالتبرير الرسمي الذي قدمته الأمانة العامة.

ويقول الخبير الإداري والسياسي محمد العلبي لـ"النهار" إن بلاغ الأمانة "لا يُقرأ كإجراء إداري اعتيادي، حتى وإن شمل جميع الوزارات، بل يُعَدّ انعكاساً لقلق السلطة من تسرّب المعلومات، ومن تحوّل النصيحة -التي لا يُؤخذ بها أصلاً- إلى تمرّد هادئ، ظهرت بعض بوادره في استقالة إحدى المستشارات".

ويروي أحد المستشارين القانونيين في وزارة سيادية تجربته مع العمل المؤسسي قائلاً: "لا تمرّ أغلب القرارات القانونية عبر مكتبي، خصوصاً تلك التي تُتخذ خارج النظام المؤسسي، رغم أنها تحديداً هي القرارات الأهم". ويضيف، متحدثاً لـ"النهار" بشرط عدم كشف هويته: "منذ تعييني، لم أقابل الوزير إلا مرة واحدة. بعد ذلك أُنشئت مجموعة على تطبيق واتساب تُناقش فيها بعض القرارات التي تمر عبر الوزارة لا فوقها. الوزير يشجّع على إبداء الرأي، لكن فقط في المواضيع التي يُسمح لنا بمناقشتها. أما ما يتعلق ببنية الدولة، فلا يدخل ضمن صلاحياتنا، بل يُبتّ حصراً في القصر الجمهوري دون الرجوع لأي وزارة معنية".

ويعلق العلبي على ذلك قائلاً: "هذه الشهادة لا تبدو استثنائية، بل تعكس على الأرجح بنية أوسع تُفرغ المؤسسات من الداخل، وتحوّل الإدارة العامة إلى واجهات شكلية. فحتى حين يتم تعيين مستشارين رسميين بخبرات قانونية أو اقتصادية، لا يُستشارون فعلياً إلا في قضايا إدارية ثانوية، بينما يُقصون عن جوهر السياسات التي تُعيد صياغة الدولة فعلياً". ويضيف: "من هذه الزاوية، تصبح ظاهرة المستشار الذي لا يُستشار أكثر من حالة شخصية. إنها عرض لبنية سلطوية أوسع تُعيد إنتاج نفسها على أنقاض الدولة. وزارات تُدار من خارجها، ومؤسسات تُسلب وظائفها تدريجياً، وقرارات تُتخذ في مراكز فوق-وزارية لا تخضع لأي مساءلة، ولا ترتبط ببنية الحكومة كما تُقدَّم للعلن".

من جهتها، تؤكد مستشارة اقتصادية سابقة صحة التفاصيل التي أوردها المستشار القانوني، لكنها تشدد على أن "الصفة الاستشارية لا تلزم الوزير بتطبيق المقترحات"، موضحة: "لا توجد لائحة تحدد الأدوار والمسؤوليات. في تجربتي كمستشارة أولى في دولة خليجية حتى عام 2024، كان يُطلب رأيي عند الحاجة، وهو غير ملزم. أقدّم مقترحات، يُنفّذ بعضها ويُهمل بعضها الآخر، وهذا في حكومة مستقرة ومتطورة. لذا يُعتبر الأمر طبيعياً أكثر في حكومة انتقالية، ما بعد إرث الأسدين".

مشاركة المقال: