الخميس, 7 أغسطس 2025 01:22 AM

نزوح مستمر وألغام ودمار: معاناة قرى سد تشرين في منبج بانتظار إعادة التأهيل

نزوح مستمر وألغام ودمار: معاناة قرى سد تشرين في منبج بانتظار إعادة التأهيل

منذ حوالي ثمانية أشهر، نزحت آلاف العائلات من قراها الواقعة في ريف منبج الشرقي بالقرب من سد تشرين، وذلك عقب اشتباكات عنيفة بين الجيش السوري وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) بعد سقوط النظام السوري. تحولت هذه القرى إلى مناطق تماس عسكري، مما اضطر حوالي عشرة آلاف مدني إلى النزوح وترك منازلهم وممتلكاتهم.

قرى مهجورة وسط الألغام والدمار:

تشمل القرى المتضررة قشلة يوسف باشا، محشية الطواحين، محشية الشيخ عبيد، خربة تويني، شاش البوبنة، الحج حسين، وقرية العلوش. لا تزال معظم هذه القرى مهجورة بسبب الانتشار الكثيف للألغام والدمار الواسع الذي لحق بالمنازل والبنية التحتية نتيجة للقصف المتكرر.

ظروف إنسانية قاسية وغياب الخدمات:

نزح السكان إلى قرى أكثر أمانًا مثل الروس وأبو قلقل، أو إلى منازل أقاربهم في مدينة منبج. على الرغم من توقف المعارك نسبيًا، إلا أن انعدام الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه يعيق عودة السكان، بالإضافة إلى استمرار المخاطر الأمنية.

شهادات من قلب المعاناة:

أفاد أحمد الحميد (45 عامًا) من قرية محشية الشيخ عبيد: "اعتقدنا أن النزوح سيكون مؤقتًا لبضعة أيام، لكنه استمر لأشهر. ما زلنا بعيدين عن أرضنا، وأرزاقنا تُترك للخراب." وأكد أنس العلي من قرية شاش البوبنة أن محاولات العودة باءت بالفشل: "مناطقنا مليئة بالألغام، والخطر يحيط بنا. حتى المظاهرات التي نظمناها لم تلق أي استجابة. لا نملك إلا الأمل." وفي قرية العلوش، التي شهدت عودة جزئية، روى الشاب أسامة الحميدي (25 عامًا) تجربته: "نزحنا في ذروة الشتاء بسبب القصف. كلما عدنا، وجدنا بيوتنا منهوبة. في إحدى المرات، وبينما كنت أركب دراجتي، سقطت قذيفة قرب مكاني. نجوت بأعجوبة."

واقع خدمي منهار ومطالب بإعادة التأهيل:

أوضح المهندس فراس المنصور، إداري في بلدية منبج، أن السبب الرئيسي لانعدام الخدمات في القرى المتضررة هو تدمير شبكة الكهرباء خلال المعارك. تصل الكهرباء إلى قرية أبو قلقل لساعتين فقط يوميًا، بينما القرى الأخرى محرومة منها كليًا. وأشار إلى أن توقف مضخات المياه، مثل مضخة البابيري، أدى إلى الاعتماد على الآبار الجوفية، رغم تكاليفها المرتفعة. وأضاف أن القرى تتبع إداريًا لبلدية أبو قلقل، لكنها غير مفعّلة بسبب نقص الكوادر والآليات، وغياب دعم المنظمات لمشاريع خدمية أساسية. ونوّه المنصور بأن الألغام المنتشرة في المنطقة تشكّل عائقًا أمام إعادة تأهيلها، مؤكّدًا عدم وجود خطط واضحة حاليًا لإعادة الخدمات ما لم يتم تأمين المنطقة وإزالة الألغام. واختتم تصريحه بمطالبة الجهات المعنية بتسريع جهود إعادة التأهيل، أو تسليم إدارة سد تشرين للحكومة السورية لضمان استقرار الخدمات.

الجيش السوري: الألغام وخروقات قسد تعيق العودة:

أفاد المقدم عبد الرحمن الحسين، أحد الضباط الميدانيين في الجيش السوري، أن الأوضاع الميدانية في القرى الواقعة جنوب منبج لا تزال معقدة، رغم إعلان وقف إطلاق النار. وأكد أن فرق الهندسة العسكرية بدأت فعليًا بإزالة الألغام من المنطقة تمهيدًا لعودة الأهالي، إلا أن قوات قسد قامت بخرق الهدنة، حيث تسللت عبر أنفاق وأقدمت على أسر ثلاثة مدنيين وقتل رابع، ما تسبب بنزوح جديد. وأشار إلى أن الاشتباكات مستمرة حتى لحظة إعداد التقرير، وأن قوات قسد تستخدم أسلحة متوسطة في خروقاتها، فيما يرد الجيش السوري على مصادر النيران لمنع أي تقدم جديد. وختم تصريحه بالتأكيد أن هشاشة الوضع الأمني واستمرار الخروقات يشكلان العائق الأكبر أمام إعادة الاستقرار وعودة الحياة الطبيعية إلى قرى سد تشرين.

انتظار طويل وعودة معلّقة:

رغم عودة جزئية إلى بعض القرى مثل العلوش وأبو قلقل، إلا أن معظم القرى لا تزال خالية، وسط ترقب حذر من الأهالي لما ستؤول إليه التطورات الميدانية والسياسية. وحتى تُزال الألغام وتُستعاد الخدمات، تبقى العودة إلى الديار حلمًا مؤجلًا ينتظر قرارًا يبعث الحياة من جديد في قرى سد تشرين.

مشاركة المقال: