لا يزال موضوع تطبيق اتفاق 10 آذار بين الحكومة السورية و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) محور نقاش في المحادثات الرسمية وعلى المستوى الدولي. أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، تامي بروس، استمرار دعم الولايات المتحدة للحوار بين الطرفين بهدف دمج "قسد" في الجيش السوري. ورحبت بروس بالاجتماعات المثمرة بينهما، مشيدة بجهود المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، توم براك، في "إشراك جميع الأطراف وضمان الأمن والهدوء لجميع السوريين"، وفقًا لتصريحها لوكالة "رووداو" الإعلامية.
كان من المتوقع عقد اجتماع بين الجانبين في تموز الماضي بفرنسا، بدعم فرنسي وأمريكي، إلا أن ذلك لم يتم دون تحديد موعد بديل.
غياب آليات بناء الثقة
أوضحت الخارجية السورية في 25 تموز الماضي، عدم إحراز تقدم في اتفاق 10 آذار، مؤكدة أنه لا يحتاج إلى أشهر للتنفيذ بل إلى رغبة حقيقية. وأشار مدير إدارة الشؤون الأمريكية في وزارة الخارجية والمغتربين، قتيبة إدلبي، إلى أن الحكومة السورية تبحث عن آلية لتنفيذ الاتفاق، مؤكدًا استمرار المباحثات بين الجانبين. وأرجع إدلبي عدم التقدم إلى عدة معوقات، أبرزها التحديات التي واجهت سوريا، والاختلافات في صناعة الرأي لدى "قسد"، وغياب آليات بناء الثقة.
في المقابل، صرح القائد العام لـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، مظلوم عبدي، بأن المشكلات التي تعيق الاتفاق عامة وتتطلب العمل عليها. وأكد أن الاندماج يعني الشراكة، قائلًا: "سوريا الجديدة ستبنى على أساس شراكة جديدة بين جميع مكونات البلاد، ولا يمكن فرضها بالقوة". وأوضح في مقابلة مع وكالة "هاوار" المقربة من "قسد"، أنه تم الاتفاق على بعض قضايا اتفاق 10 آذار، واتخذت خطوات عملية، وأن المحادثات ستستمر، مع ضرورة مشاركة القوى الدولية الموجودة في سوريا في هذه العملية.
وأضاف عبدي: "في اتفاق 10 آذار، سوريا لن تتقسم، سوريا دولة، وهي دولة للجميع، وجميع السوريين لدينا وطن، وبالتأكيد سيكون لهذا الوطن حكومة، هذه دولة، وليست دولتين، وسيكون لها جيش واحد، ولا يمكن أن يكون هناك جيشان، ومن المؤكد أن قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ستكون جزءًا من هذا الجيش".
تضمن اتفاق 10 آذار ثمانية بنود، منها ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية وكافة مؤسسات الدولة، بناء على الكفاءة بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية، وأن المجتمع الكردي مجتمع أصيل في الدولة السورية، وتضمن الدولة حقه في المواطنة وحقوقه الدستورية. كما نص على وقف إطلاق النار على جميع الأراضي السورية، ودمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرقي سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية وحقول النفط والغاز.
موعد قريب للتفاوض
استضافت باريس اجتماعًا ضم وزير الخارجية والمغتربين، أسعد الشيباني، ووزير الخارجية الفرنسي، جان نويل باروت، والمبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، توماس براك. ووصفت وزارة الخارجية السورية اللقاء بأنه "صريح وبنّاء"، وأنه أتى "ضمن إطار تعاون الأطراف المشاركة وفي لحظة فارقة تمر بها سوريا".
وفي هذا السياق، أوضح إدلبي أن الاجتماع الأخير في فرنسا كان قائمًا على أساس الأوضاع في سوريا، وخاصة في السويداء. وأضاف: "ولم يكن هناك تحضير بين الأطراف الوسيطة، أي بين دمشق و(قسد)، لهذا الاجتماع، وبالتالي لا يمكن الاجتماع دون تلك التحضيرات، للوصول لتنفيذ الاتفاق". وأكد وجود موعد قريب للتفاوض بين الحكومة السورية و"قسد"، متوقعًا الوصول لأرضية جديدة لتنفيذ الاتفاق، معتبرًا اللقاء القريب بداية مسار إيجابي بين الجانبين.
لماذا دير الزور؟
في اجتماع تسربت منه معلومات، اجتمع قائد "قسد" مظلوم عبدي، مع قادة عسكريين، ورؤساء المجالس المحلية، ووجهاء عشائر من محافظة دير الزور، في 27 تموز، في بلدة الشدادي بريف الحسكة. وذكر مصدر حضر الاجتماع أن الهدف كان الاتفاق على انسحاب "قسد" من كامل ريف دير الزور، تمهيدًا لتسلّم الحكومة السورية إدارة المدينة وريفها بالكامل.
في المقابل، قال مصدر عسكري في "قسد" إن تصريحات عبدي تؤكد ضرورة التوافق على وحدة سوريا، لكنها لا تشير إلى انسحابها من دير الزور، مشيرًا إلى أن النقاشات بين الحكومة السورية و"قسد" تدور حول دمج المؤسسات وليس تسليمها، مع تركيز "قسد" على منح أبناء كل منطقة مسؤولية إدارة شؤونهم العسكرية والمدينة، وهو ما يشير إلى نيتها البقاء مع إعطاء دور أكبر للعشائر المحلية.
وأشار قتيبة إدلبي إلى أن "قسد" تحاول فرض واقع اجتماعي وثقافي في دير الزور، وأخذت موارد هذه المحافظة، موضحًا أن المحافظة لها خصوصية لعدم وجود كردي فيها، وأن هذا النوع من السياسات له آثار أكبر بسبب الحساسية الإثنية والعرقية، وأن الحكومة تحاول المضي قدمًا في الاتفاق في محافظة دير الزور، لأن الدولة السورية والحكومة السورية موجودة في غالبيتها فيها، وبالطبع من المنطقي التركيز عليها بشكل أكبر من المدن التي تسيطر عليها "قسد".
في حين قال عبدي إن أهالي دير الزور والرقة مع الاندماج ضمن الدولة السورية، ولكنهم يريدون المحافظة على مؤسساتهم الموجودة، وأن تتم إدارة هذه المؤسسات من قبل أبنائها.
وكانت الحكومة السورية رفضت وضع شروط مسبقة في الحوار مع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، وسط أنباء عن تعثر المسار بين الجانبين. وذكر مصدر حكومي أن الدولة السورية لم ولن تقبل بأي خطاب يقوم على التهديد أو فرض شروط مسبقة تتعارض مع مبدأ وحدة الدولة ومؤسساتها السيادية، مؤكدًا أن "الحوار الوطني الحقيقي لا يكون تحت ضغط السلاح أو عبر استقواء بأي طرف خارجي".