الخميس, 7 أغسطس 2025 06:07 PM

الشيباني: وزير خارجية أم شخصية نافذة في كواليس السلطة السورية؟

الشيباني: وزير خارجية أم شخصية نافذة في كواليس السلطة السورية؟

يثير الدور الذي يضطلع به وزير الخارجية "أسعد الشيباني" في دهاليز السلطة السورية تساؤلات عديدة، إذ يتجاوز نطاق مهامه الوزارية ليشمل ملفات متنوعة تتخطى صلاحياته الرسمية.

سناك سوري _ زياد محسن

صعد نجم "أسعد الشيباني" بعد سقوط نظام "بشار الأسد" في 8 كانون الأول، وذلك بعد سنوات من العمل السري تحت أسماء مستعارة مثل "أبو عائشة" و"زيد العطار" و"حسام الشافعي". وكان الشاب المتحدر من "الحسكة" من بين المؤسسين الأوائل لـ"جبهة النصرة" عام 2012، والتي تحولت لاحقاً إلى "هيئة تحرير الشام"، مما يدل على معرفته القديمة بالرئيس السوري الحالي "أحمد الشرع"، الذي كان قائداً للجبهة والهيئة لاحقاً.

وبينما كان "الشيباني" قبل الثورة خريج قسم اللغة الإنكليزية من جامعة "دمشق"، فقد تحول مساره إبان العمل مع "الهيئة" إلى المجال السياسي والدبلوماسي، فحصل على شهادة الماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الخارجية من جامعة "صباح الدين زعيم" التركية عام 2022.

في تلك الفترة، لعب "الشيباني" دور الذراع الدبلوماسية للهيئة وقائدها تحديداً، ومن بين المهام البارزة التي نجح في أدائها، بحسب مركز للدراسات، لقاؤه عام 2017 مع الدبلوماسي البريطاني "جوناثان باول"، الذي يتولى قنوات خلفية للتفاوض مع الجماعات المصنفة "إرهابية" على المستوى الدولي أو الوطني، علماً بأنه يشغل حالياً منصب مستشار الأمن القومي البريطاني والتقى مع الشرع والشيباني في دمشق يوم ٥ آب الجاري.

كما يبرز اسم "الشيباني/زيد العطار" عند الحديث عن لقاء "الشرع/ الجولاني" في كانون الثاني 2021 مع إعلاميين غربيين، بينهم الصحفي الأمريكي "مارتن سميث"، الذي نشر صورة ظهر فيها "الجولاني" للمرة الأولى ببدلة رسمية، وهو ما اعتبره مراقبون إشارة إلى محاولات "الهيئة" لتغيير صورتها دولياً وإزالة صفة "الإرهاب" عنها.

الشيباني بعد سقوط النظام

تولى "الشيباني" رئاسة إدارة الشؤون السياسية في "هيئة تحرير الشام"، واحتفظ بالمنصب ذاته عند مشاركته في تأسيس "حكومة الإنقاذ" عام 2017، حيث لم يكن هذا الكيان يضم منصب "وزير خارجية" خلال فترة وجوده في "إدلب". وبعد سقوط نظام "بشار الأسد" وانتقال حكومة "الإنقاذ" إلى "دمشق" لتسيير الأعمال، اختارته قيادة العمليات العسكرية لتولي حقيبة الخارجية في 21 كانون الأول 2024، واستمر في المنصب ذاته عند تشكيل الحكومة الحالية في 29 آذار 2025، كما اختاره الرئيس "الشرع" عضواً في مجلس الأمن القومي منذ 12 آذار 2025.

هل الشيباني وزير خارجية .. فقط؟

أظهر "أسعد الشيباني" منذ توليه حقيبة الخارجية نشاطاً ملحوظاً من خلال جولات خارجية واسعة وزيارات متكررة لدول المنطقة والعالم، وحضوره في محطات حظيت بتغطية إعلامية واسعة، مثل رفعه العلم السوري أمام مقر الأمم المتحدة في نيسان الماضي. وبدا الوزير حريصاً على إثبات دور قوي لوزارته في المرحلة الانتقالية للبلاد، على صعيد إعادة العلاقات مع الخارج وإظهار وجه جديد للدبلوماسية السورية ما بعد "نظام الأسد"، وتغيير مواقع "دمشق" على مستوى السياسة الخارجية والتحالفات الإقليمية والدولية.

تحرير المخطوف .. وحكم الأقليات

بالنظر إلى أن "الشيباني" يخوض تجربته الأولى كوزير للخارجية قادماً من خارج ملاك الوزارة وتدرجاتها الوظيفية، فإنه لم يسلم من زلات في خطاباته اعتبرت نقاطاً سلبية لا ينبغي أن تصدر عن وزير خارجية.

ففي شباط الماضي، وخلال مشاركته في القمة العالمية للحكومات في "دبي"، قال: (نحن حررنا الشعب السوري وإذا حررت خطيفة أو مختطفاً من خاطفه فلا يمكن أن يسألك بعد ذلك إلى أين ستأخذني). أثار هذا التصريح جدلاً واسعاً حول مضمون العبارة المتداولة "من يحرر يقرر"، بمعنى أن بإمكان السلطة الحالية أن تفعل ما تشاء دون مساءلة لأنها حررت "الشعب السوري" من النظام السابق، وهو ما يرفضه الكثيرون الذين يدعون إلى إخضاع أي سلطة للمحاسبة والمساءلة وعدم تكرار تجربة الحكم الشمولي الذي لا يعير وزناً للقانون ويعتبر أن من حقه فعل ما يريد.

وفي آذار الماضي، وخلال كلمته أمام مؤتمر "بروكسل" للمانحين، قال إن 54 عاماً من حكم الأقلية أدت إلى تهجير أكثر من 15 مليون سوري ومليون ضحية وقمع الأقليات الأخرى، وهو ما أثار انتقادات واسعة بسبب افتقاره للدقة واعتباره طائفياً، إذ لم يكن نظام "الأسد" محصوراً بطائفة واحدة في مناصبه وأركانه، كما لم يكن قمعه وبطشه وظلمه مقتصراً على طائفة واحدة أيضاً، بل كان مستعداً لقمع أي مخالف له مهما كانت طائفته أو انتماؤه.

أما التصريح الأكثر إثارة للجدل، فكان في 31 تموز الماضي أثناء مؤتمر صحفي جمعه بنظيره الروسي "سيرغي لافروف" في "موسكو"، حين قال إنه لا توجد خطة أو نية لدى الحكومة لإبادة "الدروز" في "السويداء"، وأن حمايتهم مسؤولية الدولة. وقد فتح هذا التصريح باباً واسعاً من الجدل في خضم الأحداث الجارية في "السويداء"، والمخاوف القائمة أصلاً بعد ما جرى في المحافظة من انتهاكات، والتحذيرات من استهداف السكان على أساس طائفي على غرار ما حدث سابقاً في الساحل السوري.

ماذا يفعل الشيباني؟

اللافت في مسيرة "الشيباني" أن دوره، كما يبدو، لا يقتصر على حدود وزير الخارجية، إذ يحضر في مناسبات لا تتعلق بعمل وزارة الخارجية، فهو الرجل الوحيد الذي كان إلى جانب الرئيس "الشرع" عند توقيع الإعلان الدستوري، وفي مراسم تسليم نتائج عمل لجنة تقصي الحقائق بأحداث الساحل.

لكن الوزير الذي يشغل عضوية "مجلس الأمن القومي"، أعاد التذكير بمركزه السابق حين أصدر في آذار الماضي قراراً بإحداث ضمن الوزارة، ومهمتها الإشراف على إدارة النشاطات والفعاليات السياسية داخل "سوريا"، إضافة إلى إعادة توظيف أصول حزب "البعث" وأحزاب الجبهة، وما يتبع لها بما يخدم المسؤوليات والمهام السياسية والوطنية. وقد أثيرت علامات استفهام واسعة حول مهام وصلاحيات "الأمانة"، والتي أعادت التذكير بأدوار فروع حزب "البعث" في المحافظات التي كانت الحاكم الفعلي لعمل مؤسسات الدولة.

وزارة الخارجية في عهد "الشيباني" واظبت على نشر بيانات ومواقف من القضايا الداخلية مثل منع دخول قافلة إنسانية إلى "السويداء" أو لقاء الوزير "الشيباني" بفريق بحث ، وهي قضايا داخلية من المستغرب أن يصدر الموقف بشأنها عن وزارة الخارجية.

"الشيباني" الذي يلازم الرئيس "الشرع" في الظهور الإعلامي، مثل المقطع الذي جمعهما معاً أثناء لعب كرة السلة، أو تناول كأس شاي في "بلودان"، يبدو أكثر من وزير خارجية ويبدو دوره داخل السلطة السورية أكبر من مهام وزارته، ويتعدّى نشاطه الفعلي دوره المعلن عنه والمنصوص عليه كوزير للخارجية.

مشاركة المقال: