الإثنين, 11 أغسطس 2025 04:47 PM

من سوريا إلى الجزائر: كيف أثرت سياسات ترامب التجارية على اقتصادات الدول العربية؟

من سوريا إلى الجزائر: كيف أثرت سياسات ترامب التجارية على اقتصادات الدول العربية؟

تجربة الرسوم الجمركية في عهد ترامب تكشف عن درس اقتصادي بالغ الأهمية، وهو ضرورة بناء اقتصاد قوي قادر على مواجهة التقلبات السياسية والتجارية، اقتصاد يتمتع بالصمود والتكيف، خاصة في ظل التغيرات الكبيرة التي يشهدها عالم التجارة الدولية.

منذ وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في عام 2017، انتهج سياسة تجارية حمائية صارمة تمثلت في فرض رسوم جمركية عالية على واردات من دول كبرى مثل الصين والاتحاد الأوروبي. ورغم أن هذه السياسات استهدفت بشكل أساسي المنافسين الاقتصاديين للولايات المتحدة، إلا أن تداعياتها طالت المنطقة العربية، خاصة بعد انتخابه لولاية ثانية في عام 2024، وتوسيع نطاق الرسوم الجمركية ليشمل الحلفاء أيضاً.

مع دخول الحزمة الثانية من رسوم ترامب حيز التنفيذ، والتي شملت بضائع من 39 دولة، كان من بينها عدد من الدول العربية. تصدرت سوريا قائمة الدول الأكثر تضرراً بنسبة 41%، تليها العراق بنسبة 35%، ثم الجزائر وليبيا بنسبة 30% لكل منهما، وتونس بنسبة 28%، والأردن بنسبة 15%.

يعود هذا التأثر إلى عوامل متشابكة، أبرزها اعتماد هذه الدول الكبير على الواردات من الأسواق العالمية لتأمين المواد الاستهلاكية والمواد الأولية اللازمة للصناعة. دول مثل سوريا والعراق وليبيا تعتمد على الاستيراد بشكل كبير بسبب الاضطرابات السياسية التي أضعفت قدراتها الإنتاجية الداخلية، وجعلتها أكثر عرضة لتقلبات أسعار السلع والمواد الأساسية، خاصة تلك التي تأثرت بسياسات الرسوم الجمركية الأميركية.

أما تأثير الرسوم على الجزائر وليبيا فيرتبط بصادراتهما من المنتجات البتروكيميائية، في حين تمتلك تونس والأردن صناعات موجهة نحو الأغذية والنسيج، وهي موجهة للسوق الخارجية بشكل كبير، وفقاً للخبير الاقتصادي السعودي علي الحازمي في حديث لـ"النهار".

تركيا أيضاً، ورغم أنها ليست دولة عربية، تأثرت بالرسوم بنسبة 15%، مما يعكس تأثيرها الإقليمي على حركة التجارة في المنطقة.

يشرح الحازمي أن العلاقات التجارية غير المباشرة بين البلدان تلعب دوراً في هذا التأثر، حيث تعتمد بعض الدول العربية بشكل كبير على واردات تمر عبر تركيا أو تعتمد عليها كمحطة تجارية رئيسية، وبالتالي فإن فرض واشنطن رسوماً على الصادرات التركية أو الواردات منها انعكس سلباً على شركاء تركيا في المنطقة.

الأمر نفسه ينطبق على الجزائر وتونس، اللتين تربطهما علاقات تجارية وثيقة مع الاتحاد الأوروبي، الذي دخل في حرب تجارية مع الولايات المتحدة خلال عهد ترامب.

من جهة أخرى، فإن غياب اتفاقيات تجارية قوية بين العديد من الدول العربية والولايات المتحدة، أو ضعف التكتلات الاقتصادية الإقليمية، ساهم في زيادة حدة هذا التأثر. ففي حين استطاعت دول أخرى في العالم تقليل آثار الرسوم الجمركية عبر اتفاقيات حماية وتفضيلات تجارية، بقيت دول عربية كثيرة عرضة لهذه السياسات من دون أدوات فعالة للحماية.

بحسب الحازمي، فإن انخفاض حجم الصادرات لبعض الدول الصغيرة قد يؤثر بشكل كبير على ميزانها التجاري ومدفوعاتها الخارجية، ولا سيما في ظل هشاشة البنية الاقتصادية وغياب تنويع الشركاء التجاريين. وينبه إلى أن الأثر لا يقتصر على الاقتصاد فقط، بل يتداخل مع البعد السياسي؛ فسوريا التي ما زالت تنهض من آثار الحرب، كانت تعتمد بشكل كبير على القطاع الزراعي الذي شكّل أكثر من 25% من ناتجها المحلي، وهو اليوم يتعرض لضغوط إضافية بسبب الظروف التجارية الدولية الجديدة.

يقول الحازمي: على الدول المتأثرة، سواء أكانت عربية أم غير عربية، العمل على تنويع أسواق التصدير، وتخفيف الاعتماد على أسواق محددة، كما أن توقيع اتفاقيات ثنائية جديدة يمكن أن يفتح آفاقاً جديدة، في ظل عالم تتزايد فيه الحواجز الجمركية، وتتقلص فيه فرص التبادل الحر. البحث عن أسواق محلية وإقليمية هو أيضاً أمر بالغ الأهمية، ويجب أن يكون جزءاً من رؤية اقتصادية شاملة.

هكذا، تكشف تجربة الرسوم الجمركية في عهد ترامب عن درس اقتصادي مهم وهو أنه لا بد من بناء اقتصاد مقاوم للتقلبات السياسية والتجارية، قادر على الصمود والتكيف، خصوصاً في عالم يشهد تغيرات جذرية في قواعد التجارة الدولية.

مشاركة المقال: