الخميس, 14 أغسطس 2025 04:16 AM

قمة ألاسكا بين بوتين وترامب: هل التفاؤل له ما يبرره؟

قمة ألاسكا بين بوتين وترامب: هل التفاؤل له ما يبرره؟

أيوب نصر

تتجه الأنظار نحو قمة ألاسكا المرتقبة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والمقرر عقدها بعد أيام قليلة، تحديدًا يوم الجمعة الموافق 15 غشت 2025. يترقب الكثيرون هذا اللقاء بتفاؤل بالغ، بل ربما مبالغ فيه، معتبرين إياه فرصة سانحة لتسوية الأزمة الأوكرانية وإنهاء صراع يقترب من عامه الرابع.

بالنظر إلى الأحداث في سياقها، نجد أن الرئيس ترامب كان يحلم منذ وصوله إلى البيت الأبيض في ولايته الثانية بعقد قمة مع بوتين، وقد عبر عن هذه الرغبة في مناسبات عديدة. إلا أن هذا الحلم لم يتحقق، واقتصرت جهود تطبيع العلاقات بين البلدين على مستويات أدنى من الرئاسة، قبل أن يعلن الجانب الأمريكي تعليق المفاوضات الخاصة بهذا الشأن.

استمر الوضع على هذا المنوال، مع تبادل التصريحات والتهديدات، وتأرجح الأمل بين التفاؤل وخيبة الأمل. إلى أن فاجأ الرئيس الأمريكي الجميع بمهلة مدتها خمسون يومًا، منحها لروسيا لوقف حربها في أوكرانيا، ثم قلصها فجأة إلى اثني عشر يومًا، دون تقديم أي تبرير أو تفسير لهذا التغيير المفاجئ. وفي هذا السياق، تم الاتفاق على عقد القمة بين الرئيسين، خلال زيارة ستيف ويتكوف، مبعوث الرئيس الأمريكي، إلى موسكو ولقائه ببوتين وعدد من المسؤولين الروس. هذا يعطي انطباعًا بأن القمة جاءت نتيجة لضغط ترامب بمهلة الإثني عشر يومًا، أو لإخراجه من مأزق هذه المهلة. لهذا، لا أتوقع أن ينتج عن اللقاء نتائج كبيرة أو تحولًا مؤثرًا في الأزمة الأوكرانية.

هذا فيما يتعلق بالسياق الذي أدى إلى عقد اللقاء. أما الأمر الآخر الذي يدفعني إلى الاعتقاد بأن هذا اللقاء لن يحقق الكثير، فهو طبيعة ترامب نفسه، فهو رجل الصفقات الذي يسعى للحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب مقابل أقل قدر ممكن من التنازلات. ولن يتم التوصل إلى اتفاق أو صفقة دون أن يقدم بوتين شيئًا يجعل ترامب يتباهى به ويرفع شعار "أمريكا أولًا". فما الذي يمكن أن يقدمه بوتين لترامب؟

هناك أمران يمكن أن يقدمهما بوتين لترامب في هذه الصفقة. الأول هو أن يتنازل بوتين عن بعض الشروط التي وضعها لوقف الحرب، وهذا أمر مستحيل على الروس، لأنه سيكون بداية لانهيار دولتهم وضياع نفوذهم، وسيعيد روسيا إلى أيام التسعينيات وفترة يلتسن، لأن أي تنازل سيعني الهزيمة.

أما الأمر الآخر فهو الابتعاد عن الصين، والراجح عندي هو أن هذا أكبر ما يهم ترامب، لأن هذه الإدارة ترى في الصين العدو الأول وليس روسيا، على عكس الإدارة السابقة. وروسيا يصعب عليها التخلي عن الصين، لأن في ذلك هلاكهما معًا، ولولا الصين لركعت روسيا أمام العقوبات الغربية.

وهناك أمر آخر وهو الأوروبيون، وقد سمعت الكثير من المتكلمين يقللون من دورهم ويحطون من تأثيرهم، وهم الذين حملوا ترامب على عدم الوفاء بوعده الذي وعد به أيام الانتخابات الرئاسية من أنه سينهي الحرب الروسية الأوكرانية في أربعة وعشرين ساعة.

ومهما بدا من إعراض الولايات المتحدة الأمريكية عن أوروبا، إلا أن الأمريكيين يدركون أهمية الأوروبيين في تسهيل السيطرة الأمريكية على العالم وإطلاق يديها فيه، وإذا حدث تخلي الآن عن الأوروبيين فسيدفع بهم ذلك إلى الذهاب نحو عسكرة أوروبا وإنشاء حلف عسكري أوروبي موازي لحلف شمال الأطلسي، وقد لمحوا لذلك مؤخرا.

والولايات المتحدة الأمريكية ضمنت التبعية الأوروبية عن طريق حلف شمال الأطلسي، ذلك الحلف الذي أنشيء لحماية الأوروبيين من التوسع السوفياتي سابقا، والأطماع الروسية الحالية، وقد خدم هذا الامر الأوروبيين حتى اقتصاديا، حيث كان اتكال دول الغرب الأوروبي على الحماية الأمريكية سببا في نموهم الاقتصادي ومساهما في جودة العيش التي امتلكها المواطن الأوروبي، وفي الوقت نفسه ضمن للولايات المتحدة التواجد في أوروبا والسيطرة على أكبر رقعة برية على الكوكب( أوراسيا بمعناها الجغرافي) وتضييق على الصين وروسيا في مناطق نفوذهما وحدائقهما الخلفية ( أوراسيا بمعناها السياسي).

وعسكرة أوروبا بالطريقة التي روج لها، تعني بناء تكتل عسكري أوروبي موازي لحلف شمال الأطلسي، وهذا يعني بداية تفكك حلف شمال الأطلسي، وبداية تراجع الهيمنة الأمريكية على أوروبا، وبالتالي قطع الروابط مع أوراسيا، بمعناها السياسي والجغرافي، لأن أوروبا الغربية ستكون حينها في غناء عن المظلة الأمنية والعسكرية الأمريكية.

فحرص الأمريكيين على الأوروبيين، يجعل عقد إتفاق مع الروس، من غير شيء يحفظ ماء وجه الأوروبيين، صعبا ولابد من صيغة ترضي الأطراف الأربعة، ولكل ما سبق فإنه يصعب النظر إلى هذا اللقاء نظرة متفائلة، لكنه من وجهة نظري سيحقق لبوتين شيئا بضرب مذكرة الإعتقال في مقتل، ونوع من فك الحصار على الروس، كما أنه يعطي لرونالد ترامب تلك اللقطة التي يبحث عنها حيثما ولى وجهه، وربما يفتح هذا اللقاء الباب أمام لقاءات أخرى يطرح فيها ما يحفظ ماء وجه وكرامة الأطراف الأربعة.

اخبار سورية الوطن 2ـوكالات _راي اليوم

مشاركة المقال: