أكد الخبير الاقتصادي الدكتور فادي عياش لـ«الوطن» أن جزءاً كبيراً من السوريين يعتمد في معيشته على الاقتصاد الموازي لتلبية احتياجاته الأساسية من الغذاء والدواء والمسكن، وذلك بسبب ضعف القدرة الشرائية للدخل. وأوضح أن للاقتصاد الموازي أو الظل مفاهيم متعددة وتسميات مختلفة، تتفاوت وفقها تقديرات حجمه وتأثيره في الاقتصادات الوطنية، وإن كانت بأغلبها سلبية.
وبالعموم، يمكن اعتبار أن اقتصاد الظل يشمل الأنشطة الاقتصادية التي تتم خارج نطاق الرقابة الحكومية ولا تُسجل في السجلات الرسمية، وبالتالي لا يظهر أثرها الاقتصادي بشكل مباشر ورسمي. وأشار عياش إلى أن مفهوم اقتصاد الظل يشمل نوعين من الأعمال والأنشطة: الأول هو الأعمال والنشاطات المشروعة ولكنها غير رسمية، أي غير المرخصة والتي لا تخضع للرقابة المالية والتكليف الضريبي، وتشمل التهرب الضريبي، بالإضافة إلى الأعمال والنشاطات غير المنظمة والعشوائية والتي لا تدخل ضمن مفهوم الحسابات القومية. والثاني (وهو الأخطر) يشمل الأعمال والنشاطات غير المشروعة وغير القانونية مثل التهريب وتجارة الممنوعات وأي نشاطات اقتصادية أخرى غير مسموحة قانونياً.
وبالعموم، يُعتبر اقتصاد الظل عاملاً سلبياً جداً بالمفهوم التنموي، ويزداد تأثيره الهدام كلما زادت نسبته في الاقتصاد الوطني. وأضاف الخبير أن اقتصاد الظل ينشأ ويتوسع بتأثير العديد من العوامل، أهمها انهيار الاقتصاد الرسمي، وضعف الرقابة والشفافية والمحاسبة، وتراجع الثقة بالمؤسسات الحكومية، وتأثير الظروف الخاصة كالحروب والأزمات والكوارث والعقوبات. ولكن أحد أهم الأسباب هو ضعف مفهوم المواطنة، ومحدودية مفهوم المسؤولية المجتمعية، وانعدام الثقة نتيجة ضعف الحوكمة والشفافية والمساءلة، مما يؤدي إلى تراجع العدالة الاجتماعية بأبعادها المختلفة. وقد تراكمت هذه الأسباب مجتمعة في الاقتصاد السوري وتعززت خلال الثورة.
ورغم صعوبة التقدير الدقيق لحجم اقتصاد الظل، إلا أن العديد من الباحثين والدراسات حددت نسباً تتراوح بين 30 إلى 45 بالمئة قبل الثورة، وبنسب تتراوح بين 60 إلى 75 بالمئة قبل التحرير. ويعتقد عياش أن النسب الفعلية تفوق هذه التقديرات، لأنها بأغلبها اعتمدت على مفهوم الأعمال والنشاطات المشروعة وغير المرخصة، ولكن إذا أخذنا بعين الاعتبار الأعمال والنشاطات غير المشروعة، كالتهرب الضريبي (رغم الترخيص)، والتهريب بأشكاله، والاتجار بالمواد الممنوعة والمدعومة، والمضاربة بأشكالها المختلفة، ونشاطات السوق السوداء، والاحتكار بأنواعه، فيمكن تقدير حجم اقتصاد الظل في سوريا بنسب تصل حتى 90 بالمئة من حجم الاقتصاد الكلي في الفترة ما بعد 2021 حتى التحرير.
ولذلك، نجد التراجع الكبير في حجم الناتج المحلي الإجمالي الرسمي، والانكماش الهائل في الاقتصاد الرسمي، الذي تجلى في حالة الركود التضخمي الجامح، والذي أثر بشكل سلبي كبير على كافة مؤشرات التنمية في سوريا. ويرى أن اقتصاد الظل اقتصاد حقيقي، ولكنه غير رسمي، وبالتالي يجب العمل على تحويله من الظل إلى النور، أي تحويله إلى اقتصاد رسمي من خلال معالجة أسبابه الأساسية، ولا سيما في مرحلة التعافي بعد التحرير، حيث تم التخلص من آليات العمل للنظام البائد، ويجري العمل على رفع العقوبات وإعادة الانفتاح على الاقتصاد العالمي والاستثمار الخارجي.
وأوضح أن أهم الإجراءات التي تساهم في معالجة حالة اقتصاد الظل هي اعتماد هوية اقتصادية واضحة للاقتصاد السوري، وتطبيق مبادئ الحوكمة في كافة المجالات، والتي تقوم على العدالة والشفافية والمسؤولية والمساءلة، وذلك من خلال تشريعات مناسبة لذلك. عندها سيتحول اقتصاد الظل إلى اقتصاد رسمي ويساهم بقوة في التعافي والتنمية.
هناء غانم