تواجه محافظة طرطوس تحديات جمة تؤثر مباشرة على القطاع الزراعي، بدءًا من تقلبات المناخ ونقص الأمطار، وصولًا إلى محدودية الصناعات الزراعية. في المقابل، يسعى أبناء المحافظة لمواجهة هذه الظروف بإطلاق مشاريع صغيرة ومبتكرة لتأمين دخل يساعدهم على التغلب على صعوبات المعيشة.
الجفاف يهدد الإنتاج:
أوضح مدير الزراعة في طرطوس، حسن حمادة، لـ "الثورة" أن الموسم الماضي شهد انخفاضًا حادًا في معدلات الأمطار، مما أثر سلبًا على المحاصيل الشتوية كالقمح والشعير، بالإضافة إلى تعرض الخضراوات المكشوفة والمحمية والأشجار المثمرة، وعلى رأسها الزيتون والحمضيات والتفاحيات، للصقيع لمدة خمسة أيام متتالية. كما شهد موسم الزيتون هبات جافة ساخنة بلغت سرعتها حوالي 85 كم/ساعة خلال فترة الإزهار، مما ألحق ضررًا بالغًا بالموسم. وإلى جانب ذلك، أدى انخفاض منسوب الآبار ومخزون السدود إلى تراجع الإنتاجية وتقليص المساحات المزروعة.
الزراعة صمام أمان:
أكد حمادة أن الزراعة هي صمام الأمان ضد الفقر والعوز، مشددًا على أن توفير مستلزمات الإنتاج من بذار وأسمدة وآلات ومبيدات، يشكل حجر الأساس لرفع مردودية الفلاحين وضمان حياة كريمة لهم.
الصناعات الزراعية محدودة:
يرى حمادة أن الصناعات الزراعية لا تزال محدودة، إن لم تكن معدومة، وتقتصر على صناعات بسيطة كالمخللات والكونسروة المنزلية. ودعا إلى إنشاء معامل لعصائر الحمضيات وتعبئة زيت الزيتون وتصدير الفائض، مؤكدًا أن تكامل الزراعة مع الصناعة والتسويق هو السبيل لرفع المستوى الاقتصادي في المحافظة.
التسويق أكبر التحديات:
أكد عضو مجلس اتحاد الحرفيين في طرطوس، منذر رمضان، أن المهن اليدوية تتميز بإمكانية ممارستها من المنزل، مما يخفف الأعباء المالية على أصحابها، وخصوصًا أبناء الأرياف. وأشار إلى أن بعض الحرفيين يوظفون مخلفات الطبيعة في أعمال فنية تحاكي التراث، مما يزيد من جاذبية منتجاتهم، إلا أن ضعف التسويق وانخفاض المبيعات ما زالا عقبتين أساسيتين.
ونوه رمضان بأن الاتحاد نظم معارض مجانية وسعى لفتح أسواق دائمة لهذه الشريحة، لكنه دعا إلى دور أكبر من الجهات الثقافية والسياحية والتجارية لعرض هذه المنتجات في المعالم السياحية والمطارات وتصديرها للأسواق الخارجية.
مشاريع منزلية ناجحة:
استطاع المواطن ياسر غانم من ريف طرطوس أن يحسن استثمار أرضه الصغيرة لزراعة الخضروات مثل الباذنجان والفليفلة والبندورة، إلى جانب عرائش العنب. ولم يكتفِ ببيعها طازجة، بل قام مع أسرته بصناعة المكدوس ودبس الفليفلة والمربيات والمخللات وورق العنب المعبأ، مسوقًا منتجاته عبر وسائل التواصل والأسواق المحلية.
وأكد غانم أن هذه الطريقة ضاعفت العائد المادي مقارنة بالبيع التقليدي للمحاصيل، مشيرًا إلى أن المشاريع المنزلية الصغيرة توفر دخلاً جيداً في ظل الظروف المعيشية الراهنة.
نماذج شبابية مبتكرة:
تبرز نماذج شبابية تبتكر حلولها بعيداً عن الوظائف التقليدية. فاطمة علي عمران، وبعد تخرجها في الجامعة، قررت إطلاق مشروع لصناعة الشمع و"الكونكريت"، مستثمرة مبلغ 300 ألف ليرة سورية فقط لشراء المواد الأولية. بدأت بإمكانات بسيطة ومن منزلها، لكن تسويق منتجاتها عبر صفحات التواصل الاجتماعي حقق انتشاراً واسعاً ومبيعات جيدة.
وترى فاطمة أن التسويق الناجح، وخصوصاً عبر "السوشال ميديا"، هو مفتاح الاستمرارية، مطالبةً اتحاد الحرفيين بدعم هذه المشاريع من خلال إقامة دورات تدريبية مجانية وتخفيض تكاليف المشاركة في المعارض والبازارات.
نحو اقتصاد محلي أقوى:
يكشف هذا المشهد أن الزراعة في طرطوس تواجه ضغوطاً مناخية واقتصادية، لكن إرادة الأفراد في الابتكار، سواء عبر مشاريع منزلية أو صناعات صغيرة، تفتح آفاقاً جديدة للتنمية. ولتحقيق نقلة نوعية، لا بد من تكامل جهود الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المحلي لدعم الإنتاج، تطوير الصناعات، وتعزيز التسويق، بما يحوّل هذه المبادرات الفردية إلى رافعة حقيقية للاقتصاد المحلي.
(اخبار سوريا الوطن 2-الثورة)