السبت, 16 أغسطس 2025 06:36 PM

تشكيل مجلس الشعب السوري القادم: بين التمثيل الحقيقي وتحديات المرحلة الانتقالية

تشكيل مجلس الشعب السوري القادم: بين التمثيل الحقيقي وتحديات المرحلة الانتقالية

لطالما عانت سوريا من نقص في التمثيل المجتمعي الحقيقي في جميع "مجالس الشعب" المتعاقبة منذ 125 عامًا، مما يجعل تشكيل مجلس الشعب خلال المرحلة الانتقالية أمرًا بالغ الأهمية. يهدف ذلك إلى معالجة جزء من أزمة التمثيل التاريخية وضمان عدم تشكيل مجلس مشوه بعد سنوات من الصراع، مجلس يغلب عليه الطابع الفصائلي.

سناك سوري – بلال سليطين

مجلس الشعب الانتقالي.. تمثيل بلا انتخاب

في ظل صعوبة إجراء انتخابات عامة حرة ونزيهة في سوريا خلال المرحلة الحالية، بسبب غياب البيئة القانونية والأمنية والمؤسساتية اللازمة، لا يعني ذلك القبول بتشكيل مجلس تشريعي استشاري وفق منطق فوقي أو انتقائي. بل على العكس، فإن غياب الانتخابات يضع مسؤولية أكبر على السلطة الانتقالية والمجتمع السياسي لإبداع آليات تمثيلية بديلة أكثر عدالة وتشاركية.

إن التمثيل ليس مجرد تركيبة عددية بل فعل سياسي، وحين يكون هذا الفعل مؤسسًا على الشفافية والتعدد يصبح المجلس القادم بداية لعقد اجتماعي جديد لبحث أزمة التمثيل السياسي في سوريا خلال المرحلة الانتقالية.

ولأن مجلس الشعب المزمع تشكيله سيكون المؤسسة التمثيلية الأعلى في البلاد، وسينتج عنه تشريعات تمسّ المواطنين وسيمهّد لدستور دائم، فإن طريقة تشكيله ستعكس مباشرة تصور السلطة للتمثيل، إما بوصفه "امتيازًا يُمنح"، أو "حقًا يُنتزع ويُنظَّم". وبما أنه تقرر أن يُعيّن رئيس الجمهورية ثلث أعضائه، ويُنتخب الثلثان عبر هيئات غير مباشرة، فإن هذا النموذج، إذا لم يُحاط بآليات شفافة وتعددية، قد يُعيد إنتاج أنماط تاريخية فوقية عرفتها سوريا سابقًا، كتجربة "مجلس المبعوثان" في العهد العثماني، حيث كانت شريحة ضيقة من المتشابهين تنتخب ممثلي كل السوريين المتنوعين بطريقة تُقصي عامة الناس من القرار.

تحدي أشكال التمثيل أمام مجلس الشعب الانتقالي

هناك أربعة أشكال للتمثيل السياسي هي: الشكلي، المتشابه، الرمزي، والجوهري. التمثيل الشكلي يقوم على الانتخابات بالأساس وهذا ما لن يتحقق في هذا المجلس لكن هناك جزء من التمثيل الشكلي بالغ الأهمية وهو مساءلة ومحاسبة أعضاء المجلس من قبل الشعب بصفتهم ممثلين لهم وهذا ما لا يجب أن يغيب إطلاقاً عن المجلس القادم.

ويبقى ثلاثة أشكال للتمثيل، اثنان منها يشكِّلان التحدي الأكبر في عملية تأليف مجلس الشعب القادم، وهما: أولاً التمثيل المتشابه – كأن يمثل اليساريون عن طريق اليسار والنساء عن طريق النساء، والآخر هو التمثيل الجوهري – بحيث لا يكون الممثلون ينتمون لشريحة نظرياً ولا يتبنون قضاياها عملياً، فممثل العمال لا يكفي أن يكون عاملاً بل يجب أن يتبنى قضايا تحسين رواتب العمال وظروف العمل وإلخ. وهذا يحدَّد من خلال البرامج والمواقف المعلنة لهؤلاء الأشخاص والتي تعرفها الناس، وإشراك الفئات ذاتها في الترشيح أو التقييم، وتدقيق مستقل من هيئات محايدة.

وألا يكون التمثيل "صورياً" ويختار أشخاص، نظرياً يمثّلون الناس وعملياً يمثّلون مصالحهم الشخصية أو مصالح السلطة فقط أو قد يكونوا عبارة عن كومبارس في مسرحية.

  

تمثيل التنوع

سوريا بلد متنوع بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، حيث فيها التنوع السياسي والاجتماعي والثقافي والعرقي والديني، والطائفي..إلخ، وهو تنوع على المستوى الوطني ككل وكذلك على المستوى المحلي، وبالتالي لدينا تحديان، الأول على مستوى سوريا ككل في تمثيل التنوع لدى المجتمع السوري، والثاني على المستوى المحلي (المحافظة) في تمثيل هذا التنوع لكن دون أن يكون على حساب فئات أخرى.

وهنا لا بد من مثال لشرح هذه المعضلة: كانت حصة محافظة الحسكة 6 نواب قبل اقتراح زيادة أعضاء المجلس من 150 إلى 210 عضواً، حيث أصبح من المتوقع أن يكون عدد نواب الحسكة 10. ولكن بعملية بحث بسيطة يمكن رصد قرابة 11 تنوعاً إن صح التعبير في الحسكة (سياسي، قومي، ديني….إلخ)، فإذا كان لابد من التعبير عن الجميع على مستوى المحافظة الواحدة، فإن هناك قوى كبرى ستحظى بحصة متوازنة محلياً، لكنها ضعيفة على المستوى الوطني.

كأن يُمنح مثلاً تجمع "البنطال الأصفر" الذي لديه 200 ألف منتسب، مقعداً واحداً في البرلمان، وبالمقابل يُمنح تجمع "الكنزة السوداء"، الذي عنده 10 آلاف منتسب، مقعداً أيضاً. فهذا نظرياً يحقق توازن التمثيل لكنه لا يراعي النسبية. ويمكن إسقاط المثال على تشعبات أخرى في كل محافظة؛ فقد استخدمنا تجمع البنطال والكنزة كناية عن تنوعات كثيرة احتراماً لمبدأ المواطنة وتأكيداً على أن التمثيل يجب أن يكون سياسياً بالأساس.

وهناك تنوعات قليلة عددياً ربما أخذت حصة من محافظات أخرى، كأن يكون تجمّع "الكنزة الزرقاء" الذي يضم عشرة آلاف منتسب بالحسكة، لديه فرع في حلب فيه 20 ألف منتسب أيضاً، وحصل على مقعد آخر في البرلمان عنهم، أي أصبح لديه مقعدان في البرلمان بينما من لديه 200 ألف منتسب أصبح لديه مقعداً واحداً.

في هذه الحالة، التعبير عن التنوع على أهميته يصبح إضعافاً للبعض وتقويةً للبعض الآخر، وهذه لعبة الانتخابات والتقسيمات الإدارية. ولنا في النموذج اللبناني خير مثال على ذلك، عندما ينجح نائب بـ 1500 صوت في انتخابات برلمان وآخر بـ 30 ألف صوت بنفس الانتخابات لكن في دائرة ثانية.

وبالتالي فإن تحقيق التنوع والتوازن عملية شبه مستحيلة وشديدة التعقيد والحساسية، ما يحيلنا بشكل مباشر نحو أهمية الحفاظ على القوى السياسية والتراجع عن حل بعضها كما في حالة "الائتلاف الوطني لقوى الثورة السورية" بصفته أحد القوى السياسية القليلة في سوريا، ودعم وجود قوى وتنظيمات سياسية قبل تأليف المجلس ودفعها للتشكل والتعبير عن ذاتها حالياً ولو على صعيد المحافظة الواحدة.

بحيث يُمثَّل الناس في قوى سياسية وهذه القوى تمثَّل في المجلس بشكل يحقق عاملَي التمثيل السياسي وتمثيل التنوع في آن معاً وإلا سيكون لدينا مجلس محاصصة على أسس ماقبل الدولة مهما حاول البعض تجميل الصورة.

البدائل.. مجلس من غرفتين يمثل كل ناحية ومنطقة

وانطلاقاً من هذا الواقع أيضاً، ومن حساسية المرحلة الانتقالية ومخاطر غياب التمثيل الكلي أو الجزئي في هكذا مرحلة حساسة من عمر البلاد، فإن 210 نواب كعدد غير كافٍ لتحقيق التمثيل وتبديد المخاوف على أشكالها المتنوعة. ما يجعل من الضروري وجود مجلس من غرفتين، الأولى تشريعية بـ 210 نواب كما هو مقترح وعلى أساس سياسي بالدرجة الأولى والثانية تمثيلية تفصيلية على أساس جغرافي يكون وفق عدد المناطق (68 منطقة)، ومراكز المدن (14 مركزاً)، والنواحي (227 ناحية) في سوريا، أي بمجموع 309.

تمثيل النساء في الغرفة الثانية.. مخاطر الإقصاء المناطقي

وهنا أيضاً لدينا تحدي تمثيل النساء، والذي يُخشى فيه أن يُحصر هذا التمثيل بمناطق ومحافظات محددة، وأن يتم تغييب النساء في مناطق أخرى بحجج واهية ذكورية تعزز السيطرة الذكورية. وبالتالي يكون الحل باشتراط تمثيل النساء في كل محافظة بـ 30%، على الاقل ليكون لديهن كتلة وازنة تضمن حقوقهن. وإن كان رأيي الشخصي، أن التمثيل يجب أن يكون ثنائياً، بحيث يكون لكل منطقة نائبان: رجل وامرأة، بإجمالي 618 نائباً مناصفة بين الجنسين.

وبتقديرنا إن أفضل آلية لتشكيل الغرفة الثانية هي مرحلتين، الأولى عبر تشكيل هيئة عامة ناخبة في كل ناحية من 70 شخصاً (30% نساء و20% شباب) يعبّرون عن التنوع السياسي والثقافي والاجتماعي..إلخ، وذلك وفق محددات وضوابط واضحة وشفافية وعلنية، وهؤلاء يناط بهم انتخاب مجلس محلي للناحية (إدارة محلية)، وانتخاب ممثل الناحية في الغرفة الثانية لمجلس الشعب، على أن يبقى هؤلاء بمثابة جمعية عامة يمكنها سحب الثقة من المجلس المحلي أو النائب متى ابتعد عن مصالح من يمثلهم أو ارتكب مخالفات يمكن تحديدها بنص.

مجلس غير فصائلي.. لا عسكر

وبذلك نكون قد عملنا على تحقيق أوسع مشاركة ممكنة من المجتمع، وإيصال أفضل ما يمكن من الشخصيات، إلى جانب ضمان وجود هيئة رقابية من البيئة المجتمعية ذاتها على ممثل الناحية. بالإضافة لتوفير إدارة وحوكمة محلية تعزز مشاركة المجتمع في السلطة، وتساهم في تحفيزه ايجابياً، ولديها أوسع ثقة ممكنة وفق الظروف الحالية لدى المجتمع.

لكن قبل كل ذلك، لا بد من وضع معايير صارمة لناحية صفات وخصائص وهوية المرشحين\ات، تضمن بشكل واضح ولا لبس فيه عدم تشكيل مجلس فصائلي أو فيه ولاءات فصائلية، بحيث يكون ضمن الشروط ألا يكون المرشح جزءاً من أي فصيل عسكري بالماضي أو بالحاضر أو المستقبل وألا يكون عسكرياً. وأن تنشر السير الذاتية للمرشحين\ات والبرامج الشخصية قبل اعتمادهم\ن، ليتسنى للمواطنين\ات تقديم طعونات بهم وأن يكون هناك لجنة محلية في كل منطقة مسؤولة عن النظر بالطعون ضمن مدة قانونية محددة.

تجريد النواب من دورهم في مسائلة الحكومة!

بعد الوصول إلى أفضل الآليات لتشكيل مجلس الشعب بغرفتَيه، يبقى تحدي الدور الوظيفي للنواب وأهم جزء منه هو جزء المساءلة، وهذه تحتاج لمعالجة ثغرة وتبيان العمل، الثغرة تتمثل في أن المجلس وفق الإعلان الدستوري، لا يحق له مساءلة الحكومة ولا سحب الثقة من الوزراء، الأمر الذي يفرغه من أهم دور له وهو مراقبة السلطة التنفيذية ومساءلتها عند اللزوم.

وللقيام بهذا الدور يجب تعديل الإعلان الدستوري لينص على حق المساءلة والمحاسبة للسلطة التنفيذية صراحة ووضوحاً بما في ذلك سحب الثقة من الحكومة أو أحد وزرائها. أما تبيان العمل، فهذا يحتاج إلى ضمان شفافية عمل المجلس ووضوح عمله أمام عموم المواطنين، وهذا يتطلب جلسات علنية ورقابة إعلامية وإنشاء موقع الكتروني ومنصة تشارك المواطنين عمل المجلس وتشركهم في صناعة القوانين.

فالتمثيل عملية مستمرة وجوهرها قائم على المشاركة والمساءلة الشعبية المستمرة.

التمثيل عملية مستمرة وجوهرها قائم على المشاركة والمساءلة الشعبية المستمرة.

بالتأكيد إن عملية تشكيل مجلس الشعب بالغة الأهمية، وآلياتها تضمن حسن التشكيل، وأن أي ثغرة في عملية التشكيل سيكون لديها نتائج سلبية قد تزعزع ممكنات الاستقرار مسبقاً وتفرغ الدور، وبالتالي فإن العملية تحتاج أوسع آلية تشاركية ممكنة مهما كانت معقدة، وهذا اعتراف بكل تأكيد أن عملية التشكيل معقدة، وأن الاقتراحات قد تكون صعبة لكن على قدر أهمية المجلس يرتفع قدر أهمية عملية التشكيل في ظل غياب الآليات الديمقراطية. وهنا لا يوجد وصفة واحدة كبديل عن الانتخابات لكن ربما يوجد عدة وصفات، إلا أن البلاد تحتاج المفاضلة بين جميعها والوصول لأفضلها أو الجمع بين الأفضل منها.

بحث أزمة التمثيل السياسي في سوريا خلال المرحلة الانتقالية

بقي أن نشير إلى أن هذا التقرير هو جزء من بحث "أزمة التمثيل السياسي في سوريا خلال المرحلة الانتقالية" الذي أعدته وعملت عليه وحدة الأبحاث في سناك سوري، وقد اعتمدت مدخلات هذا التقرير على البحث والمقابلات المعمقة التي شملت ممثلين وممثلات عن أحزاب وقوى سياسية وناشطات ونشطاء مستقلين وأكاديمين وكذلك على المجموعات المركزة التي ضمت قرابة 80 مشاركاً ومشاركة بشكل يراعي التنوع الجغرافي والاجتماعي والسياسي والعمري بين الجنسين.

لقراءة البحث كاملاً نسخة تفاعلية كاملة حسب العناوين والأقسام نسخة طويلة كاملة

مشاركة المقال: