الخميس, 21 أغسطس 2025 01:08 PM

الرقة: تفاقم عمالة الأطفال ينذر بأزمة اجتماعية وإنسانية

الرقة: تفاقم عمالة الأطفال ينذر بأزمة اجتماعية وإنسانية

تواجه محافظة الرقة تحديًا إنسانيًا متزايدًا يتمثل في ارتفاع معدلات عمالة الأطفال، حيث يضطر العديد منهم للانخراط في سوق العمل بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة. يجبر الأطفال على إعالة أسرهم بعد سنوات من الحرب، بينما يفقد آخرون فرص التعليم ويواجهون ظروف عمل قاسية تؤثر سلبًا على صحتهم ونموهم النفسي.

تشير تقديرات اليونيسف إلى وجود حوالي 2.4 مليون طفل سوري تتراوح أعمارهم بين 5 و 17 عامًا خارج مقاعد الدراسة، وأن حوالي 29٪ من الأطفال في هذه الفئة العمرية يعملون بدوام جزئي أو كلي. وقد أقرت منظمة العمل الدولية بأن الأسر السورية تلجأ إلى عمالة الأطفال كـ "استراتيجية مواجهة سلبية" في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية وتراجع فرص العمل للكبار.

أظهرت دراسات ميدانية لمنظمات محلية في مدينة الرقة أن نسبة كبيرة من الأطفال، خاصة الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و 16 عامًا، يتركون الدراسة ويتجهون إلى سوق العمل. غالبًا ما يعمل هؤلاء الأطفال لساعات طويلة تصل إلى 10 ساعات يوميًا مقابل أجور زهيدة تتراوح بين 2 و 3 دولارات فقط في مهن خطرة مثل البناء أو الورش المعدنية.

أوضح الدكتور سامر، الباحث في علم الاجتماع، أن تفشي عمالة الأطفال في الرقة يعود إلى عدة عوامل متشابكة، منها الفقر المدقع الناتج عن انهيار الاقتصاد المحلي، وتراجع فرص العمل للكبار، وغياب برامج الدعم الحكومية للأسر، وارتفاع تكاليف التعليم، وضعف الوعي المجتمعي بمخاطر عمل الأطفال.

وأضاف أن الأطفال العاملين يواجهون مخاطر صحية ونفسية جسيمة، ويتعرضون لإصابات العمل وضغوط تفوق أعمارهم، مما يحرمهم من حقهم الطبيعي في التعليم والنمو السليم.

تعكس شهادات السكان حجم الأزمة الإنسانية. تقول أم محمد، نازحة من ريف الرقة: "لم أعد قادرة على دفع تكاليف المدارس، وابني البالغ من العمر 12 عامًا يعمل في ورشة حدادة منذ عام كامل ليساعدنا في المصاريف اليومية".

ويوضح أبو حسن، وهو أب لثلاثة أطفال، أن ابنه الأكبر يبيع الخبز في الأسواق منذ الصباح حتى المساء مقابل 20 ألف ليرة سورية يوميًا، ورغم ذلك يبقى المبلغ غير كافٍ لتغطية احتياجات العائلة.

تحذر تقارير اليونيسف من أن استمرار هذه الظاهرة سيؤدي إلى:

  • ارتفاع معدلات الأمية والتسرب المدرسي بشكل غير مسبوق.
  • تكوين جيل يفتقر إلى المهارات الأساسية لدخول سوق العمل المستقبلي.
  • زيادة احتمالية استغلال الأطفال في أعمال خطرة أو غير قانونية.
  • تكريس دائرة الفقر عبر أجيال متعاقبة.

وتوصي المنظمات الدولية بضرورة:

  • إطلاق برامج دعم مالي مباشر للأسر الأكثر فقراً، بحيث لا تضطر لإرسال أطفالها إلى العمل.
  • تقديم منح تعليمية وإعفاءات من الرسوم الدراسية لتشجيع بقاء الأطفال في المدارس.
  • تطوير مشاريع اقتصادية صغيرة توفر فرص عمل للكبار وتخفف العبء عن الأطفال.
  • زيادة الرقابة المجتمعية والرسمية على أماكن تشغيل الأطفال لمنع استغلالهم.

في ظل الظروف المعيشية القاسية في محافظة الرقة، تبقى عمالة الأطفال انعكاساً مباشراً للفقر والتهميش وغياب السياسات الفعّالة. ومع أن المبادرات الفردية والمنظمات الإنسانية تحاول التخفيف من حدّة الأزمة، إلا أن الحل الجذري يتطلب رؤية شاملة تضع التعليم والحماية الاجتماعية في مقدمة الأولويات، لضمان مستقبل أفضل لأطفال الرقة وسوريا عموماً.

مشاركة المقال: