الأحد, 24 أغسطس 2025 02:20 AM

القامشلي: عمال المياومة يصارعون الغلاء والبطالة في ظل أزمة معيشية خانقة

القامشلي: عمال المياومة يصارعون الغلاء والبطالة في ظل أزمة معيشية خانقة

في مدينة القامشلي، وعلى غرار معظم المدن السورية، تتجلى قسوة الأزمة المعيشية على وجوه العشرات من عمال المياومة الذين يتوافدون يومياً منذ ساعات الصباح الباكرة إلى الشوارع والساحات العامة، متأملين في الحصول على فرصة عمل مؤقتة. لقد أصبحت حياتهم معلقة بفرص عمل غير مضمونة، وبأجور يومية غير كافية لتلبية أبسط احتياجات أسرهم في ظل الارتفاع المتزايد في الأسعار وشح فرص العمل المستقرة.

رزق غير مضمون

إبراهيم الجاسم، وهو خريج كلية التربية من ريف القامشلي الجنوبي، يجسد معاناة المئات من العمال اليوميين. صرح لمنصة سوريا 24 قائلاً: "نقف يومياً في الشوارع منذ ساعات الصباح الأولى بانتظار قدوم أحد أصحاب العمل لطلب عمال. في كثير من الأحيان، نمضي النهار بأكمله دون أن يطلبنا أحد، وإذا حالفنا الحظ وحصلنا على عمل، فإن الأجر لا يتجاوز خمسين ألف ليرة، وهو مبلغ زهيد يتبخر قبل أن نصل إلى منازلنا بسبب غلاء الأسعار". وأضاف أن العمل الذي يحصلون عليه، إذا توفر، غالباً ما يكون شاقاً ولا يتناسب مع الأجور الضئيلة. ومع ذلك، فإن معظم العمال يقبلون به على أمل توفير لقمة العيش لأطفالهم.

أعداد متزايدة وضغوط متراكمة

لم تعد ظاهرة تجمع العمال في شوارع القامشلي مقتصرة على مجموعة صغيرة، حيث يشير الجاسم إلى أن الأعداد في ازدياد مستمر، موضحاً: "يزداد عدد الواقفين في الساحة كل يوم، وكل واحد منهم يحمل قصة مختلفة: منهم من لديه أطفال صغار، ومنهم من يلاحقه الدين أو يعاني من عبء الإيجارات". ويؤكد الجاسم أن الوضع لم يعد مجرد بحث عن عمل، بل أصبح انعكاساً لأزمة اقتصادية خانقة يعيشها المجتمع بأسره، حيث بات العمل اليومي الهش الخيار الوحيد لمئات العائلات.

معاناة مضاعفة مع المرض

فادي، أحد سكان القامشلي، يعكس صورة أخرى من هذا الواقع المرهق، حيث تتداخل معاناته بين همّ العمل وهمّ علاج طفله المريض المصاب بارتخاء في الأعصاب. يقول لمنصة سوريا 24: "أخرج يومياً عند الساعة السادسة صباحاً وأبحث عن أي عمل: تنظيف، عتالة، أو نقل البلوك للبناء. ورغم المشقة والتعب، فإن ما نحصله لا يكفي. حتى في الأيام التي أحصل فيها على ستين ألف ليرة، أشعر بالعجز أمام تكاليف العلاج والبيت". ويتابع: "نقف في الساحة أكثر من سبعين عاملاً يومياً، ننتظر أن يطلبنا أحد. وعندما يأتي صاحب عمل، يتراكض الجميع خلفه وكأننا نركض خلف الأمل الوحيد. لكن الحظ لا يحالف الجميع، فهناك عمال لم يحصلوا على عمل منذ أسبوع كامل".

همّ يومي بلا حلول

يصف العمال في القامشلي وضعهم بأنه "عيش يوم بيوم"، حيث لا مجال للتخطيط أو الادخار. ويعتمد معظمهم على الديون لتسيير أمور أسرهم، مما يزيد من شعورهم بالضغط النفسي والعجز أمام عائلاتهم. يقول فادي: "أعود أحياناً إلى منزلي خالي الوفاض، غير قادر على شراء شيء لأولادي. هذا الشعور يوجع القلب ويجعل الإنسان يفقد طاقته. ما نطلبه ليس الكثير، فقط عملاً يضمن لنا حياة كريمة".

مستقبل غامض وأفق مسدود

تتفق شهادات العمال على قاسم مشترك: الغلاء المستمر، قلة فرص العمل، وانعدام الأمان الاقتصادي. فالأجور اليومية التي لا تكفي لتغطية أبسط الاحتياجات، إلى جانب ازدياد أعداد العاطلين عن العمل، تجعل المشهد أكثر قتامة. وفي ظل هذه الظروف، تبقى حياة مئات الأسر في القامشلي رهينة الانتظار في الشوارع والساحات، بانتظار رزق قد يأتي أو لا يأتي، فيما يستمر الغلاء في التهام ما تبقى من قدرتهم على الصمود.

مشاركة المقال: